للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشاهدٌ فيه رَفْعُ (وَجْدِ المُضِلِّ بَعيرَهُ)، لأنّه خَبَرٌ عن الأوّلِ، فلم يَجُزْ نَصْبُهُ كما انتَصَبَ ما قَبلَه في الأبوابِ المتقدِّمة.

يقول: وَجْدِي بهذهِ المرأةِ وحُزْني لِفَقْدِها كَوَجْدِ مَنْ أَضْلَّ بَعيرَه أَحْوَجَ ما يكونُ إليه. ونَخْلَةٌ: موضعٌ بقُربِ مكَّةَ، وعليها يأخُذُ الحاجُّ مُنصرفينَ بعدَ انقِضاءِ حَجَّهم، ولذلك قال: (لَمْ تَعْطِفْ عليه العَواطِفُ)، لأنَّهم آخِذونَ في الانْصِرافِ ومُزْعِجونَ لمَطِيَّهم.

وأنشد في بابٍ ترجَمَتُه: هذا بابُ ما ينتصبُ من المصادرِ لأنّه عُذْرٌ، لحاتِم الطائي (٧٢٨):

[٢٨٥] وأَغْفِرُ عَوْراءَ الكريمِ أدِّخارَهُ … وأُعْرضُ عن شَتْمِ اللَّئيمِ تَكَرُّما

الشاهدُ فيه نَصْبُ (الادِّخارِ والتَكَرُّم) على المفعولِ له، والتقديرُ لادِّخارِهِ وللتَكَرُّمِ، فحذَفُ حَرْفَ الجَرِّ ووَصَلَ الفِعلَ فنَصَبَ.

ولا يَجوزُ مِثلُ هذا حَتَّى يكونَ المصدرُ من معنى الفِعلِ المذكورِ قَبْلَه فَيُضارِعَ المصدرَ المؤكِّدَ لِفِعْلِهِ كقولك: قَصَدْتُكَ ابتِغاءَ الخَيرِ وغَفَرتُ ذَنْبَكَ ادِّخارًا لكَ، لأنّه بمنزلةِ ابتَغَيْتُ ما عندكَ بقَصْدِي لكَ ابتِغاءً، وادَّخَرْتُكَ بغَفْرِي ذَنْبَكَ ادِّخارًا.

فإنْ كانَ المصدرُ لغير الأوّلِ لم يَجُز حَذْفُ حَرْفِ الجَرِّ "منه"، لأنّه لا يُشْبِهُ المصدرَ المؤكَّدَ لِفِعْلِهِ كقولك: قَصَدْتُكَ لرغبةِ زيدٍ في ذلك، لأنّ الراغِبَ غَيرُ القاصِدِ، فلا يَجوزُ قَصَدْتُك رَغبةَ زَيدٍ في ذلك.

يقول: إذا جَهِلَ علىَّ الكريمُ احتَمَلْتُ جَهْلَهُ إبقاءً عليه وادِّخارًا له، وإنْ سَبَّني اللَّئيمُ. اعْرَضتُ عَنْ شَتْمِهِ إكْرامًا لِنَفْسي عنه. والعَوْراءُ: الكلمةُ القَبيحةُ أو الفَعْلَةُ، وأصلُها (٧٢٩) من العَوَرِ أو العَوْرَةِ.


(٧٢٨) الكتاب ١/ ١٨٤، ديوانه ١١١، وروايته فيهما: وأَصْفَحُ عَن، وحاتِمُ بن عبد اللَّه الطائي، شاعرٌ جاهليّ يُضرَبُ به المَثَلُ في الجود. (الشعر والشعراء: ٢٤١، الخزانة ١/ ٤٩٤).
(٧٢٩) في ط: وأصلُهُ.

<<  <   >  >>