للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقَدْ رُدٌّ (٨٤٠) عليه هذا التقديرُ، وجُعِلَ الضَميرُ عائدًا على (الذي قد صَنَعْتُم) على تَقديرِ: وَفِينا نَبِيٌّ واضِعُ ما قد صَنَعْتُم لا على الوَحْي كما قَدَّرَهُ.

والحُجَّةُ لسيبويه أنَّ رَدَّهُ على الوَحْي أَوْلَى لأنَّه يُريدُ يَضَعُ فِينا ما يُوحَى إليه فَيُنْبئنا بِصَنِيعكم على الحقيقةِ، وإذا رُدَّ الضَميرُ على (الذي) كانَ التقديرُ واضِعُ الذي صَنَعْتُم مُطْلقًا هَونٌ رَبْطِهِ بالوَحْي الذي هو أكشَفُ لحقيقَتِهِ. والوَضْعُ هنا النَشْرُ والبَثُّ.

وأنشد في البابِ (٨٤١):

[٣٤٧] وأَيُّ فَتَى هَيْجاءَ أَنتَ وجارِها … إذا ما رِجالٌ بالرِجالِ استَقَلَّتِ

الشاهدُ فيه عَطْفُ (جارِها) على (فَتَى هَيْجاءَ)، والتقديرُ أيُّ فَتَى هَيْجاءَ وأيُّ جارِها أَنتَ، فَجارُها نكرةٌ لأن (أَيًّا) إذا أُضِيفَ إلى واحِدٍ لم يكُنْ إلّا نكرةً لأنّه [في معنى الجِنسِ] (٨٤٢)، فَجارُها وإن كان مضافًا إلى ضَمير (هَيْجاءَ) فهو نكرةٌ في المعنى، لأن ضميرَ الهَيْجاءِ في الفائدةِ مِثْلُها، فكأنَّه قال: أيُّ فَتَى هَيْجاءَ وأيُّ جارِ هيجاء أنت.

ولا يَجوزُ رَفْعُهُ لأنّه إذا رُفِعَ فهو على أَحَدِ وَجْهَيْن: إمّا أنْ يكونَ عَطْفًا على (أَيٍّ) أَو عَطْفًا على (أنتَ)، فإنْ كانَ عَطْفًا على (أيّ) وَجَبَ أنْ يكونَ بإعادةِ حَرْفِ الاستفهام وخَرَجَ عَنْ معنى المَدْحِ فيصيرُ أيُّ فَتَى هَيْجاءَ وأَجارُها أنتَ، وإنْ كانَ عَطْفًا على (أَنتَ) صارَ التقديرُ أيُّ فَتَى هَيْجاءَ أنتَ والذي هو جارُ الهَيْجاءِ، فكأنّه قال: أَنتَ وَرَجُلٌ آخَرُ جارُ هَيجاءَ، ولم يَقْصِد الشاعِرُ إلى هذا.

والهَيْجاءُ: الحَرْبُ، وأرادَ بقَتاها القائمَ بها المُبْلِي فيها، وَبِجارِها المُجِيرَ منها الكافِيَ لها. ومعنى استَقَلَّتْ نَهَضَتْ.

وأنشد في البابِ للأعشى (٨٤٣) في مِثْلِهِ:


(٨٤٠) رَدَّ المبرد على سيبويه هذا التقدير. ينظر: الانتصار ٦٢.
(٨٤١) البيتُ بلا عزو في: الكتاب ١/ ٢٤٤، الأصول ٢/ ٣٩، الحُلل في إصلاح الخلل ٣٥٦، الأشباه والنظائر ١/ ٣٢٦.
(٨٤٢) في ط: لأنّه فرد الجنس.
(٨٤٣) الكتاب ١/ ٢٤٥، ديوانه ١٢٣.

<<  <   >  >>