[٣١٣] يا رُبَّ غابِطِنا لو كانَ يَطْلُبُكمْ … لاقَى مُباعَدَةً مِنكُم وحِرْمانا
الشاهدُ فيه إضافَةُ (رُبَّ) إلى (غابِطِنا)، ورُبَّ لا تَعملُ إلّا في نكرةٍ، فغابِطنا في نِيَّةِ التنوينِ والانفِصالِ.
يقول: رُبَّ مَنَّ يَغْبِطُنا ويَسُرُّنا بِطَلَبِ مَعْروفِنا لو طَلَبَ ما عِندكم لَبُوعِدِ وحُرِمَ.
وأنشد في الباب لأبي مِحْجَنٍ الثَقَفي (٧٧٨):
[٣١٤] يا رُبَّ مِثْلِكِ في النِساءِ غَرِيرةٍ … بَيضاءَ قَدْ مَتَّعْتُها بِطَلاقِ
الشاهدُ فيه إضافةُ (رُبَّ) إلى (مِثْلِكِ) لأنّها نكرةٌ وإنْ كانت بلفظِ المعرفِة، لأنَّها وما كانَ في معناها تَنوبُ مَنابَ الفِعلِ كما هي مضافةٌ إلى ما بعدَها، والفِعلُ نكرةٌ كُلُّه. فجَرَتْ مجراه في الجَرْي على النكرةِ، فتقول: مررتُ برجُلٍ مِثْلِكَ، فتوبُ مَنابَ مررتُ برجُلٍ يُشْبِهُكَ، وكذلك مررتُ برجُلٍ غَيرِكَ، لأنّه بمنزلةِ مررتُ برجُلٍ ليسَ بِكَ.
ومِثْلُهُ مررتُ برجُلٍ حَسْبِكَ من رَجُلٍ، لأنَّه في معنى كَفاكَ من رَجُلٍ، وكذلك مررتُ برجُلٍ كَفْيِكَ مِن رَجُلٍ، وهَمَّكَ من رَجْلٍ، لأنَّ معناه كُلّه كَفاكَ مِن رَجُلٍ، ويَدلُّ على صِحَّة هذا الاعتِلالِ تَصريحُ العَرَبِ بالفِعلِ في بعضِ هذا كقولهم: مررتُ برجُلٍ كَفاكَ مِن رَجُلٍ، وهَمَّكَ من رَجُلٍ، وبامراةٍ كَفَتْكَ من امرأةٍ، وهَمَّتْكَ من امرأةٍ، فهذا بَيَّنٌ إنْ شاءَ اللَّهُ.
والغَرِيرةُ: المُغْتَرَّةُ بِلِينِ العَيشِ الغافِلَةُ عن صُروفِ الدهرِ. ومعنى مَتَّعْتُها بطَلاقٍ، "أَيْ: " أَعطيتُها شَيئًا تَستمتعُ به عندَ طَلاقِها.
(٧٧٨) البيتُ لأبي مِحْجَن في: الكتاب ١/ ٢١٢، شرح أبيات سيبويه ١/ ٣٧٦، النكت ٤٣٤، شرح المفصل ٢/ ١٢٦، وقد أخلَّ به به ديوانه. وهو بلا عزو في: المقتضب ٤/ ٢٨٩، شرح جمل الزجاجي ١/ ٥٠٤. وأبو مِحْجَن هو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، فارس يوم القادسية. (طبقات فحول الشعراء: ٢٦٨، الأغاني ١٨/ ٢٨٩، المؤتلف والمختلف ١٣٣).