للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَحَدٌ إذا نَفَيْتَ عنه الإنسانيةَ والمُروءَةَ، فإذا قال: (ما مِثْلَهُم بَشَرٌ) بالنَصْبِ لم يُتَوَهَّمْ ذلك، وخلصَ المعنى للمَدحِ دونَ تَوَهّم الذَمّ فَتأمَّلْهُ تَجِدْه صحيحًا.

والشِعرُ موضعُ ضَرورةٍ يُحْتَمَلُ فيه وَضْعُ الشَيء [في] غيرِ موضِعِهِ دونَ إحرازِ فائدةٍ ولا تَحصيلِ معنىً و <لا> تحصينِهِ فكيفَ مع وجودِ ذلك وسيبويه مِمَّنْ (١٢٧) يأخُذُ بتصحيح المعاني وإن اختَلَفَتِ الألفاظُ فلذلك وَجَّهَهُ على هذا وإنْ كانَ غَيرُهُ أَقرَبَ إلى القِياسِ في الظاهرِ.

مَدَحَ بالشعرِ بني أُمَيَّةَ فيقول: كانَ مُلْكُ العَرَب في الجاهليةِ لغيرِ قريش وسائر مُضَر، وكانوا أَحَقَّ بهِ لِفَضْلِهم على جميعِ البَشَر، فقد أَصبَحُوا بالإسلامِ والمُلْكُ فيهم فعادَ إليهم ما خَرَجَ عَنْ غيرهمِ مِمّا كانَ واجِبًا لهم لِفَضْلِهم.

وأنشد في البابِ لِسَوادَةَ بن عَدِيّ (١٢٨) وقيلَ لأميّة بن أبي الصلت (١٢٩):

[٤٣] لا أَرَى المَوتَ يَسبِقُ المَوتَ شَيءٌ … نَغَّصَ الموتُ ذا الغِنَي والفَقيرا

استشهَدَ به على إعادَةِ الظاهِرِ مكانَ المُضْمَرِ وفيه قُبْحٌ إذْ كان تكريرُهُ في جملةٍ واحدةٍ، لأنّه يَسْتَغْني بَعضُها عن بعضٍ كالبيتِ فَلا يكادُ يجوزُ إلّا في ضَرورةٍ كقولك: زَيْدٌ ضَرَبْتُ زيدًا. فإنْ كانَتْ إعادَتُه في جُملتين حَسُنَ كقولك: زيدٌ شَتَمْتُهُ وزيدٌ أَهَنْتُهُ، لأنّه قد يُمْكِنُ أنْ يُسْكَتَ على الجملةِ الأولى ثُمّ تُسْتانَفَ الأخرى بعدَ ذِكرِ رَجُلٍ غيرِ زيدٍ، فلو قيلَ: زَيدٌ ضَرَبْتُهُ وهو أهَنْتُهُ لجازَ أنْ يُتَوَهَّمَ الضَميرُ لغيرِ زيدٍ، فإذا أُعِيدَ مُظْهَرًا أزالَ التَوَهُّمَ ومع إعادَتِهِ مُظْهَرًا في الجملةِ الواحدةِ كقولك: زيدٌ ضَرَبْتُهُ لا يُتَوَهَّمُ الضميرُ لغيرِهِ، لأنّك لا تقول: زيدٌ ضَرَبْتُ عَمرًا.


(١٢٧) في ط: مِمّن يُعنى.
(١٢٨) نُسِبَ إليه في الكتاب ١/ ٣٠، وهو لأبيه عَدِيّ بن زيد العبادِيّ كما في ديوانه ٦٥، وينظر في نسبة البيت: الخصائص ٣/ ٥٣، الاقتضاب ٣٦٨، اللسان (نغص)، الخزانة ١/ ١٨٣.
(١٢٩) أميةُ، أحَدُ شعراء الطائف من ثَقيف، أدرك الإسلامَ ولم يُسْلِم حَسَدًا لرسول الله . (طبقات فحول الشعراء ٢٦٢، الشعر والشعراء ٤٥٩، الأغاني ٤/ ١٢٣).

<<  <   >  >>