للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والإظْهارُ في مِثلِ هذا <البيت> أحسَنُ منه في زيدٍ (١٣٠) ونَحوِه، لأنّ الموتَ اسمُ جنسٍ فإذا أُعِيدَ مُظْهَرًا لم يُتَوَهَّمْ أنّه اسمٌ لشيءٍ آخَرَ كما يُتَوهَّمُ في زَيدٍ ونَحْوِه من الأسماءِ المشتَرَكة، فلذلك كانَ الإِظهارُ في هذا أَمْثَلَ <شَيئًا> لأنَّه لا يُشْكِلُ.

وَصَفَ أنّ الموتَ لا يَفوتُهُ شَيءٌ، ومعنى يسبِقْ: يَفوتُ، والتَنْغِيصُ: تنكيدُ العَيشِ وتكدِيرُهُ، أيْ: إذا ذَكَرَه الإنسانُ تَنَغَّصَ.

وأنشد في الباب للجَعْديّ (١٣١) في مِثْلِه:

[٤٤] إذا الوَحْشُ ضَمَّ الوَحْشَ في ظُلُلاتِها … سَواقِطٌ مِنْ حَرٍّ وقَدْ كانَ أَظْهَرا

القولُ فيه كالقَولِ في الذي قبلَه، وعِلَّتُهُ كعِلَّتِهِ.

وَصَفَ سَيْرَه في الهاجرةِ إذا استكَنَّ الوَحْشُ مِن حَرِّ الشمسِ واحتِدامِها ولَحِقَ بكُنْسِهِ. والظُلُلاتُ جَمعُ ظُلَّةٍ وهي ما يُسْتَظَلُّ به، وحَرَّكَ اللامَ على أَصْلِ التَحريكِ في ما جُمِعَ من الصّحيحِ بالألِفِ والتاءِ نحو الظُلُماتِ والغُرُفاتِ، ويَجوزُ أنْ تكونَ الظُلُلاتُ جمع ظُلُلٍ، وظُللٌ جَمعَ ظَليلٍ كجَديدٍ وجُدُدٍ، فيكونُ جَمعَ الجَمعِ.

ومعنى أظهَرَ صارَ في وَقْتِ الظَهيرةِ وهو منتصفُ النهارِ، وحينئذٍ يَشتَدُّ الحَرُّ، وذَكَّرَ أَظهَرَ بعدَ أنْ أَنَّث الضميرَ في ظُلُلاتِها لأنّ الوَحشَ اسمُ جِنسٍ يُذَكَّرُ ويؤنَّثُ.

وأنشد في البابِ للفرزدق (١٣٢):

[٤٥] لَعَمْرُكَ ما مَعْنٌ بتارِكِ حَقِّهِ … ولا مُنْسِئٌ مَعْنٌ ولا مُتَيَسِّرُ

استشهَدَ به على أنَّ تكريرَ الاسمِ مُظْهَرًا في جُملتين أحسَنُ من تكريرِهِ في جملةٍ واحدةٍ لِما قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ، ولو حُمِلَ البيتُ على أنَّ التكريرَ من جملةٍ واحدةٍ


(١٣٠) في الأصل: في هذا ونحوه، واخترنا ما ورد في ط.
(١٣١) الكتاب ١/ ٣١، شعره: ٧٤، والجَعْدِيّ هو عبد الله بن قيس المعروف بالنابغة الجعديّ، شاعر مخضرم. (الشعر والشعراء ٢٨٩، الأغاني ٥/ ٣، الخزانة ١/ ٥١٢).
(١٣٢) الكتاب ١/ ٣١، شرح ديوانه ٣٨٤.

<<  <   >  >>