كتاب تحصيل عين الذهب من معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب

[٢٩] فإنك لا تبالي بعد حول ... أظبي كان أمك أم حمار - ص: 77

قال سيبويه (٨٧): وبعضُ العربِ يُنْشدُهُ: إذا كانَ يوم ذو كواكب أَشْنَعَا. وتَفسيرُ هذا كالذي مَرَّ في البيت الذي قبلَه.

وفي نَصْبِ (أَشْنَعَا) تقدير ان أجوَدُها أنْ يكونَ نصْبُهُ على الحالِ المؤكَّدَةِ، لأنّه إذا وَصَفَ اليَومَ بظُهورِ (٨٨) الكواكبِ فقد دَلّ على الشنعة، والحالُ المؤكَّدَةُ تُستعملُ كثيرًا كقولهم: قُمْ قائمًا، وكما قال [الله] جَلَّ وعَزّ: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا﴾ (٨٩).

والتقديرُ الآخَرُ أنْ يكونَ نَصْبُهُ على الخَبَرِ المؤكَّدِ به والخَبَرُ لا يكاد يَقَعُ إلَّا لفائدةٍ يُحتاجُ إليها لا يُسْتَغْنى عن ذِكرِها، وقد استُغْنِيَ عنه هنا فلذلك قَبُحَ هذا التقديرُ وضَعُفَ.

وأنشد في الباب لخِداش بن زهير (٩٠):

[٢٩] فإنَّكَ لا تُبالي بَعْدَ حَوْلٍ … أظَبْيٌ كانَ أُمّكَ أَمْ حِمارُ

استشهَدَ به على جَعْلِ اسم (كانَ) نكرةٌ وخَبرِها معرفةٌ ضرورةً، ووَجْهُ مَجازِ ذلك أنّ (كانَ) فِعلٌ بمنزلةِ ضَرَبَ في التَصَرُّفِ، وضَرَبَ قد يَرفَعُ النكرةَ وينصبُ المعرفةَ فَشُبِّهَتْ بها عند الضرورة.

وَصَف في البيت تَغَيُّرَ الزمانِ واطَّراحَ مُراعاةِ الأنسابِ، ويتصلُ به ما يُبَيِّنُهُ وهو قولُهُ (٩١):

---

(٨٧) الكتاب ١/ ٢٢، وفيه: إذا وَقَع يومٌ.
(٨٨) في ط: اليومَ بالكواكبِ.
(٨٩) النساء: ٧٩.
(٩٠) البيتُ له في: الكتاب ١/ ٢٣، المقتضب ٤/ ٩٤، النكت ١٨٤، ولثروان بن فزارة في شرح أبيات سيبويه ١/ ١٥٦، ونُسِب إليهما في الخزانة ٣/ ٢٣٠)، وخِداش شاعر جاهلي عَدّه الجمحي في الطبقة الخامسة من شعراء الجاهلية. (طبقات فحول الشعراء ١٤٤، الشعر والشعراء ٦٤٥، المؤتلف والمختلف ١٥٣).
(٩١) البيت في شرح أبيات سيويه ١/ ١٥٦، الخزانة ٣/ ٢٣٠، وهو مُلَفَّقٌ من بيتين ذكرهما البغدادي، وذكر ابن السيرافي الأول فقط، وهما:
فَقَدْ لَحِقَ الأسافِلُ بالأعالي … وماجَ اللُّؤمُ واختَلَطَ النِجَارُ