للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشاهِدُ فِيه نَصْبُ (شِفاءٍ) بِـ (إنَّ)، وَهُوَ نكرةٌ غَيرُ مُقَرِّبٍ من المعرفةِ، وكانَ وَجْهُ الكلامِ أَنْ يجعَلَهُ خَبَرًا وينصبَ الْعِبْرَةَ بـ (إنَّ) لأنَّها موصوفَةٌ مَقْرَّبَةٌ من المعرفةِ، ويروَى شِفائي وهو أحسَنُ لأنّه معرفةٌ.

يَقُول: البُكاءُ يُشْفِي مِنْ لَوْعَةِ الحُزْنِ، ثُمَّ قَالَ مُنْكِرًا عَلَى نَفْسِهِ البكاءَ على الديارِ مع قِلَّةِ إجْدائهِ ونَفْعِهِ:

وَهَلْ عِنْد رَسْمٍ دَارِسٍ مِن مُعَوَّلِ

أَي: لا ينبغي أَنْ يُعَوَّلَ عليه لأنّه لا يُجدِي شيئًا، ويكونُ المُعَوَّلُ أيضًا مِن العَوِيلِ وهو البكاء؛ أي: لا يَنْبغي أنْ يُبْكي عليه فإنَّ ذلك لا يَرُدُّ مَا تَغَيَّر منه وَذَهَبَ.

وأنشد في بابٍ ترجَمَتُه: هذا بابُ ما يكونُ محمولًا على إنَّ، لرؤبةَ (٩٦٠):

[٤٠٤] إِنّ الرَبيعَ الجَوْدَ والخَرِيفا

يَدَا أَبِي العَبّاسِ والصُيُوفا

الشاهِدُ فِيهِ حَمْلُ (الصُيُوفِ) على المنصوبِ بـ (إنّ)، وَلَو رُفِعَ حَمْلًا على مَوْضِعِهَا أو على الابْتِدَاءِ وإضْمَار (٩٦١) الخبر لجازَ.

مَدَح أبا العَبّاسِ السَفّاحَ (٩٦٢) "" فَجَعَل يَدَيْهِ لكثرةِ معروفِهِ كمطرِ الربيعِ والصَيْفِ. والجَوْدُ: أغزَرُ المطرِ: والربيعُ هنا المطرُ نَفسُهُ، وَأرادَ بالخريفِ مَطَر الْخَرِيفِ، وبالصُيُوفِ أَمطارَ الصَيفِ، وذكرَ الربيعَ والخريفَ وهما في المعنى وَاحِدٌ توكيدًا ومُبالَغَة، وساغ له ذلك لاختِلافِ اللفظينِ كما قالوا: النَأيُ وَالبُعْدُ.

وأنشد في البابِ لجريرٍ (٩٦٣):

[٤٠٥] إِنَّ الخِلافَةَ وَالنُبُوَّةَ فيهمُ … والمَكْرُماتُ وَسادَةٌ أطْهارُ


(٩٦٠) الكتاب ١/ ٢٨٥، ملحق ديوانه ١٧٩.
(٩٦١) في ط: أو على إضمار.
(٩٦٢) أبو العباس، هو عبد اللَّه بن محمد بن علي بن عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب، أول خلفاء الدولة العباسية. (تاريخ الطبري ٩/ ١٥٤، الكامل في التاريخ ٤/ ٣٢٢، فوات الوفيات ٢/ ٣١٥).
(٩٦٣) البيتُ لجرير في: الكتاب ١/ ٢٨٦، النكت ٥١٨، شرح المفصل ٨/ ١٦، المقاصد النحوية ٢/ ٢٦٣، ولم أجده في ديوانه.

<<  <   >  >>