للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَبَيناهُ يَشْري رَحلَهُ قال قائل … لِمَن جَمَلٌ رِخوُ المِلاطِ نَجيبُ

أرادُ بَيُنا هو، وقد مضى تفسيرُه.

وَصَف بعيرًا ضَلَّ عن صاحِبِه فَيئِسَ منه وجَعَل يبيعُ رَحلَهُ فبينا هو كذلك سَمِع منادِيًا يُبشَّرُ به، وإنّما وَصَفَ ما وَرَدَ عليه من السرورِ بعدَ الأسَفِ والحُزنِ.

والمِلاطُ: ما وَلِيَ العَضُدَ من الجَنبِ، ويقال للعَضُدين: ابنا مِلاطٍ، ووَصَفَه برَخاوَتِهِ لأنّ ذلك أشَدُّ لِتَجافي عَضُدَيه عن كِركِرتِهِ وأبعَدُ له مِن أن يُصيبَه ناكِتٌ أو ماسِحٌ أو حازٌّ أو ضَبَبٌ، وهذه كلُّها أعراضٌ وآفاتٌ تَلحَقُه إذا حَكَّ بِعَضُديه كِركِرَتَهُ، ومعنى يَشري يبيعُ وهو من الأضداد.

وممَّا أنشَدَه الأخفش أيضًا في الباب قولُ الفرزدق (٥٨):

وما مِثلُهُ في الناس إلّا مُمَلّكًا … أبو أُمّه حَيٌّ أبوه يُقارِبه

أرادَ وما مِثلُهُ في الناسِ حِيٌّ يُقارِبُةُ إلا مُمَلّكا أبو أُمِّ هذا المُمَلَّكِ أبو هذا الممدوح، وأراد بالمُمَلَّك الخليفةَ هشامَ بنَ عبد الملك، وخالُهُ الذي أَبوه أبو أُمّه إبراهيم بن هشام المخزومي. وتلخيصُ معنى البيت، ما مِثلُ هذا الممدوح في الناس إلّا الخليفة الذي هو ابنُ أخيِهِ، وهذا المعنى مَعَ سُخفِهِ أمثَل ممّا عَبرَ به عنه من لفظِهِ لأنّه فَرَّقَ بين النَعتِ والمنعوتِ في قوله: (حَيٌّ يقاربُهُ) بخبَرِ المبتدأ وهو قوله: (أبوه)، وَفرَّقَ بين المبتدأ الذي هو (أبو أُمِّه) وبينَ خبرِهِ بقوله: (حِيٌّ)، فأحالَ اللفظ حتى عَمِيَ المعنى السخيف فازدادَ قُبْحًا إلى سُخفِهِ.

وممّا أنشده الأخفشُ (٥٩) أيضًا في الباب لقيس بن زهير (٦٠):


(٥٨) ديوانه ١٠٨، وروايته فيه: مُمَلك.
(٥٩) ذكر الأخفش هذا البيت والبيتين المتقدّمين في أثناءِ تعليقه على الكتاب. ينظر: الكتاب (هارون): ١/ ٢٢، هامش (٣).
(٦٠) البيتُ له في الكتاب ١/ ٤٢٧، وقد أخَلّ به شِعرُهُ، ونُسِب إلى ورقاء بن زهير بن جَذيمة العَبسي في شرح أبيات سيبويه ٢/ ١٩٨، وهو بلا عزو في: ما يجوز للشاعر في الضرورة ١٩٢، الخزانة ٤/ ٥٣٥. وقيس شاعر جاهلي، وكان شريفًا حازمًا ذا رأي. (معجم الشعراء ١٩٧).

<<  <   >  >>