كان القاضي عِياض رحمه الله تعالى صاحب منهج دقيق في طلب العلم وتلقي المرويات، سار عليه من بداية حياته وطلبه للعلم؛ حيث يرى رحمه الله تعالى أن المادة المروية إذا لم تثبت صحة نسبتها إلى صاحبها لا تصلح أن تكون أساسًا في البحث والدرس، فضلاً عن أن تُبنى عليها الأحكام، فهو يرى أنه لا بد من التوسع في الرواية والقراءة المقيدة على أربابها.
هذا المنهج الذي سار عليه القاضي عِياض جعله يرحل من مسقط رأسه - بعد أن استوعب ما فيها - إلى الأندلس، وذلك في سنة سبع وخمسمائة للهجرة، أي بعد حوالي ثلاثين عامًا من ولادته، فوصل إلى قرطبة بغية تصحيح المتون التي تلقاها.
وأول ما تحمله القاضي عِياض من العلم إجازة مجردة من الحافظ أبي علي الغساني، ومن شيوخه من أهل المغرب القاضي أبو عبد الله ابن عيسى، والخطيب أبو القاسم، والفقيه أبو إسحاق ابن الفاسي وغيرهم.
ولما رحل إلى الأندلس في سنة سبع وخمسمائة للهجرة، روى عن القاضي أبي علي الصَّدفي سُكَّرة، ولازمه، وأخذ عن أبي بحر ابن العاص، وأبي عتاب، وهشام بن أحمد، وعدة. وتفقه بأبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي، والقاضي محمد بن عبد الله المسيلي.
وقد صنف القاضي فهرسًا ذكر فيه مشائخه وترجم لهم، وقد بلغ عددهم ثمانية وتسعين شيخاً، والكتاب طبعته الدار العربية للكتاب بليبيا سنة ١٣٩٨هـ / ١٩٧٨م، بدراسة وتحقيق الدكتور/ محمد بن عبد الدائم.
وعاد القاضي عِياض من بلاد الأندلس وقد أصبح بحرًا لا ساحل له في