اعلم أنَّ أنفَ العلومِ الشرعيةِ ومِفتاحَها، ومِشكاةَ الأدلةِ السمعيةِ ومصباحَها، ومبنى شرائع الإسلامِ وأساسَها، ومُستندَ الروايات الفقهية كلها، ومأخذَ الفنون الدينية دقها وجلها، وأسوةَ جملة الأحكام وأسها، وقاعدةَ جميع العقائد وسماء العبادات وقطب مدارها، ومركز المعاملات ومحط حارها وقارها، هو علمُ الحديث الشريف الذي تعرف به جوامع الكلم وتنفجر منه ينابيع الحكم, وهو ملاك كل نهي وأمر، ولولاه لقال مَنْ شاء ما شاء، وخبط الناس خَبْط عشواء وركبوا متن عمياء، فطوبى لِمَنْ جدَّ فيه وحصلَّ منه على تنويه يملك من العلوم النواصي ويقرب من أطرافها البعيد القاصي، ومَنْ لم يرضع مِنْ دره ولم يخض في بحره ولم يقتطف مِنْ زهره، ثم تعرض للكلام في المسائل والأحكام، فقد جارَ فيما حكمَ وقال على الله تعالى ما لم يعلم، كيف وهو كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرسول أشرف الخلق كلهم أجمعين وقد أوتي جوامع الكلم وسواطع الحكم من عند رب العالمين، فكلامه أشرف الكلم وأفضلها وأجمع الحكم وأكملها، كما قيل: كلام الملوك ملك الكلام وهو تلو كلام الله تعالى العلام وثاني أدلة الأحكام، فإن علوم القرآن وعقائد الإسلام بأسرها وأحكام الشريعة المطهرة بتمامها وقواعد الطريقة الحقة بحذافيرها وكذا الكشفيات والعقليات بنقيرها وقطميرها تتوقف على بيانه - صلى الله عليه وسلم -، فإنها مالم توزن بهذا القسطاس المستقيم ولم تضرب على ذلك المعيار القويم لا يعتمد عليها ولا يصار إليها، فهذا العلم المنصوص والبناء المرصوص بمنزلة الصراف لجواهر العلوم عقليها ونقليها وكالنقاد لنقود كل فنون