للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل على صحة هذا التأويل ما وقع لبعض الرواة في كتاب ليلة القدر: "اعْتَزَلَ فِرَاشَهُ وَشَدَّ مِئْزَرَهُ". قال القابسي: كذا في كتب بعض أصحابنا. قال ابن قتيبة: وهذا من لطيف الكناية عن اعتزال النساء.

والتأويل الثاني: أنه كناية عن الجدِّ في العمل، والعبادة والتشمير لذلك، والتأهب له.

قول أنس: "أَزَّرَتْنِي بِبَعْضِهِ، وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ" (١) أي: جعلت من بعضه إزارًا لأسفلي، ومن بعضه رداءً لأعلى بدني، وهو موضع الرداء. وتأول بعض الناس قوله: "وَرَدَّتْنِي بِبَعْضَهِ" أنه من الردّ، أي: ردتني ببعض ذلك الخبز، يعني: ردت جوعه وحاجته إليه، وتعلق نفسه به، وليس هذا التأويل بشيء.

قوله سبحانه: "الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي" (٢) هو مثل قوله: "إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ" (٣) وهو من مجاز لسان العرب، وبديع استعاراتها، يكنّون عن الصفة اللازمة بالثوب، يقولون: شعار فلان الزهد، ولباسه التقوى. فالمراد ها هنا - والله أعلم - أنها صفاته اللازمة له،


(١) مسلم (٢٤٨١) ولفظه: "أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدَّتْنِي بِنِصْفِهِ".
(٢) في (س، د): "الكبرياء إزاري"، والمثبت من (أ)، وبهذا اللفظ رواه أبو داود (٤٠٩٠)، وابن ماجه (٤١٧٤)، وأحمد ٢/ ٢٤٨ و ٣٧٦ و ٤١٤ و ٤٢٧ و ٤٤٢ عن أبي هريرة، ورواه ابن ماجه (٤١٧٥) عن ابن عباس. والحديث رواه مسلم (٢٦٢٠) لكن بلفظ: "الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤه" عن أبي هريرة وأبي سعيد، وهو اللفظ الذي ذكره القاضي في "المشارق" ١/ ٨٧.
(٣) مسلم (١٨٠) عن عبد الله بن قيس، ورواه البخاري أيضا (٤٨٧٨، ٧٤٤٤) بلفظ: "رِدَاءُ الكِبْرِ".

<<  <  ج: ص:  >  >>