للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستنبطوها بأنفسهم، وعلى حسب أفهامهم، على وجه الاختبار لمعرفتهم والسبر لقرائحهم، وقال ابن حبيب: إنما قال: "لا تخبرنا"؛ لأنه خاف أن يثقل عليهم - إذا أخبرهم - الاحتراس منها، ورجا أن يوفقوا للعمل بها من قبل أنفسهم.

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدم لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ" (١) قال الطحاوي (٢): هو استثناء من غير الجنس، معناه: لكن الصيام لي؛ إذ ليس بعمل فيستثنى من العمل المذكور (٣). وكذلك قال غير واحد: إنه ليس بعمل، وإنما هو ترك من التروك. وهذا غير سديد بل هو عمل بالحقيقة من أعمال القلب وامتساك الجوارح عما نهيت عنه فيه.

وأما قوله: "فَإِنَّهُ لِي" قيل: لكونه من الأعمال الخفية الخالصة، أي: هو خالص لي لا يدخله رياء، أو لا يطلع عليه غالبًا بخلاف غيره من الأعمال، والأظهر في هذا الحديث أنه أشار إلى معرفة الأجور وأن أجور عمل ابن آدم له معلومة مقدرة، كما قال في آخر الحديث: "الْحَسَنَةُ


= أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَخَلِّهِمْ".
(١) البخاري (١٩٥٤)، مسلم (١١٥١) عن أبي هريرة.
(٢) أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك بن سلمة بن سليم أبو جعفر الطحاوي الأزدي الحجري الفقيه المصنف، كان ثقة نبيلا فقهيا إماما، صحب المزني وتفقه به ثم ترك مذهبه وصار حنفي المذهب، له كتاب "أحكام القرآن" وكتاب "معاني الآثار" "مشكل الآثار" وغيرها، توفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" ١/ ٧١، "سير أعلام النبلاء" ١٥/ ٢٧.
(٣) "تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار" ترتيب شيخنا خالد الرباط ٢/ ٥٩٦ - ٥٩٧ ط. دار بلنسية.

<<  <  ج: ص:  >  >>