للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن الفرات: كان الواثق مشغوفا بحب الجواري، واتخاذ السراري، والتمتع بالأنكحة. روي أنه كان يحب جارية حملت إليه من مصر هدية، فغضبت يوما من شيء جرى بينه وبينها، فجلست مع صاحبات لها، فقالت لهن: لقد هجرته منذ أمس وهو يروم أن أكلّمه فلم أفعل، فخرج من مرقده على غفلة فسمع هذا القول منها، فأنشأ يقول:

يا ذا الذي بعذابي ظلّ مفتخرا ... هل أنت إلّا مليك جار إذ قدرا

لولا الهوى لتجارينا على قدر ... وإن أفق منه يوما ما فسوف ترى

فاصطلحا، ولحّنته وجعلت تغنيه به بقية يومه ذلك.

وقيل: كان مع جارية فظنها نامت، فقام إلى أخرى فشعرت به التي كان معها. فقامت مغضبة، فبعث إلى الخليع البصري [١] وأخبره بقصته فقال:

غضبت إذ زرت [٢] أخرى خلسة ... فلها العتبى لدينا والرّضا

يا فدتك النفس كانت هفوة ... فاغفريها واصفحي عمّا مضى

واتركي العذل على من قاله ... وانسبي جوري إلى حكم القضا

فلقد نبّهتني من رقدتي ... وعلى قلبي كنيران الغضا [٣]


[١] هو الحسين بن الضحاك بن ياسر البصري الباهلي، أبو علي، شاعر من ندماء الخلفاء، قيل أصله من خراسان. ولد ونشأ في البصرة، وتوفي ببغداد. اتصل بالأمين العباسي ونادمه ومدحه. ولما ظفر المأمون خافه الخليع فانصرف إلى البصرة حتى صارت الخلافة للمعتصم.
فعاد ومدحه ومدح الواثق، ولم يزل مع الخلفاء إلى أيام المستعين. وهو شاعر ماجن مطبوع حسن الافتتان في ضروب الشعر وأنواعه. وبلغ سنا عالية يقال: إنه ولد في سنة (١٦٢) هـ ومات في سنة (٢٥٠) . انظر «الأغاني» (٧/ ١٤٦- ٢٢٦) و «تاريخ بغداد» (٨/ ٥٤- ٥٥) و «الأعلام» (٢/ ٢٣٩) .
[٢] في «الأغاني» : «غضبت أن زرت أخرى» .
[٣] في الأصل، والمطبوع: «وعلى قلبي كيزان الفضا» والتصحيح من «الأغاني» والأبيات فيه (٧/ ١٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>