للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاصطلحا وأجازه.

وكان الواثق شديد الاعتزال، وقام في أيام المحنة بخلق القرآن القيام الكلّي، وشدد على النّاس في ذلك، وكان سبب موته أن طبيبه ميخائيل [١] عبر عليه ذات يوم فقال له: يا ميخائيل ابغ لي دواء للباه. فقال يا أمير المؤمنين خف الله في نفسك، النكاح يهد البدن. فقال: لا بد من ذلك.

فقال: إذا كان ولا بد، فعليك بلحم السبع، اغله بالخلّ سبع غليات، وخذ منه ثلاثة دراهم على الشراب، وإيّاك أن تكثر منه تقع في الاستسقاء. ففعل الواثق ذلك، وأخذ منه فأكثر لمحبته في الجماع، فاستسقى بطنه فأجمع الأطباء أن لا دواء له إلّا أن يسجر له تنّور [٢] بحطب الزيتون، وإذا ملئ جمرا نحى ما في جوفه وألقي فيه على ظهره، ويجعل تحته وفوقه الأشياء الرطب، ويودع فيه ثلاث ساعات، وإذا طلب ماء لم يسق، فإن سقي كان تلفه فيه. فأمر الواثق فصنع به كذلك، وأخرج من التّنّور وهو في رأي العين أنه احترق، فلما أصاب جسمه روح الهواء اشتد عليه، فجعل يخور كما يخور الثور، ويصيح: ردّوني إلى [٣] التنور. فاجتمعت جواريه ووزيره محمد بن الزّيّات، فردوه إلى التّنّور، فلما ردوه إليه سكن صياحه وأخرج ميتا.

وقد عدت ميتته هذه من فضائل الإمام أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- فإن المعتصم لما امتحنه للمقالة بخلق القرآن كان الواثق يقول له: لم لا تقول بمقالة أمير المؤمنين؟ قال: لأنها باطلة. قال: لئن كان ما تقوله أنت حقا أحرقني الله بالنّار، فما مات حتّى حرق بالنّار. انتهى ما قاله ابن الفرات ملخصا.


[١] لم أقف على ذكر له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.
[٢] سجر التنور: أحماه. انظر «مختار الصحاح» ص (٢٨٧) .
[٣] لفظة «إلى» لم ترد في الأصل، وأثبتها من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>