التأثير، فبعضها لعب دوره في ناحية من نواحي التاريخ، وبعضها لعب الدور في نواح أخرى، وبعضها كان واضح الأثر في عصر بذاته، أو تحت ضغط حادث معين، أو بنتيجة عمل أحد الرواة أو الرجال، أو مجموعة منهم، وبعضها كان دائم التأثير متكرّر الحاجة خلال القرون الأولى للهجرة كلها وفيما بعدها من القرون أيضا. ولم تكن تلك المؤثرات والعوامل من نوع واحد، فإنها كانت تصدر عن جذور سياسية ودينية، صدورها عن أسباب اقتصادية، وقومية، واجتماعية، وبعض هذه العوامل كان ينشئ فروعا من التاريخ من منابع جديدة، وبعضها كان يزيد في خصبه، أو يضيف إليه روافد أخرى مستحدثة، أو من ألوان شتى، وعلى هذا، فإن ظهور التاريخ نشأ عن ميول موجودة في المجتمع الإسلامي، أضيفت إليها مع تطور الزمن دوافع جديدة بعد دوافع، وقد أخذ شكله وتطوره نتيجة عدد كبير متغيّر من العوامل والمؤثرات المتفاوتة في طول الأعمال والتأثير المختلفة في الأنواع أيضا اختلافا واسعا، وقد نجم عن ذلك كله، أن الحصاد التاريخي لفترة نشوء التاريخ قد تميز بعدد من الملامح، ولعلّنا قبل أن نعرض لها مضطرون لأن نقف عند نقطة إشكالية أحاطت بداية التدوين التاريخي والعلمي عامّة عند العرب بالكثير من الغموض، وأوجدت الوهم العلمي الشائع بأن التاريخ والحديث والعلوم الأخرى إنما كانت تروى في البدء الرواية الشفهية، وأنها لم تكتب وتدوّن حتى أواسط القرن الثاني الهجري، والسبب في هذا الوهم المغلوط هو الخلط ما بين ثلاث عمليات متتالية كانت تمرّ بها المعلومات والمعارف التي يتداولها الناس، وتشكّل بالتدريج تراثهم الثقافي، والتحليل هو الذي يكشف عنها.
العملية الأولى: عملية استماع الشهادة من الشهود المباشرين للحدث التاريخي، وهي عملية شفهية خالصة كانت تتم بشكل مباشر بين الشاهد الذي هو المصدر الأوّلي والأساسي للمعلومات، وبين جامع تلك المعلومات من الأفواه، ومعظم معلومات التاريخ الإسلامي الأوليّة إنما جاءت عن هذا الطريق الشفوي.