للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العملية التالية: عملية حفظ المعلومات، ولم تكن تتم عن طريق الذاكرة، ولا بها وحدها أبدا، ولكن [كانت] تتم في الكثرة الساحقة من الأحوال بالتسجيل والتدوين الكتابي الشخصي، وهذه العملية كانت تجري باستمرار منذ عهد الرسالة نفسه، إذ يدوّن المستمع ما يهمّه من المعلومات لنفسه [١] ، ومهمة التدوين هنا هي معونة الذاكرة على دقة النقل وصحته، وحفظ السمعة بذلك خوف التضعيف، أو خيانة الذاكرة.

العملية الأخيرة: عملية نقل المعلومات في التوثيق ومنع الدسّ والتحريف والزيف كانت تدفعهم إلى أن لا يعتبروا المعلومات جديرة بالثقة ما لم تأت بالنقل المباشر والسماع الشخصي عن أصحابها العارفين بها والحافظين لها، وهذا ما كان يؤخر الصحف المكتوبة إلى مستوى الاهتمام الثانوي ويدفع من


[١] قلت: لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم عن كتابة حديثه صلى الله عليه وسلم في أول الأمر، وأذن لهم بكتابة القرآن، فقال فيما رواه مسلم في «صحيحه» رقم (٣٠٠٤) : «لا تكتبوا عنّي، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه، وحدّثوا عنّي ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» . قال ابن الأثير في «جامع الأصول» (٨/ ٣٣) بتحقيق والدي وأستاذي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: [قوله صلى الله عليه وسلم] : «لا تكتبوا عنّي غير القرآن» ، الجمع بين قوله: «لا تكتبوا عنّي غير القرآن» وبين إذنه في الكتابة: أن الإذن في الكتابة ناسخ للمنع منه بإجماع الأمة على جوازه، ولا يجمعون إلا على أمر صحيح، وقيل: إنما نهى عن الكتابة: أن يكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، فيختلط به، فيشتبه على القارئ.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فيما رواه الترمذي في «جامعه» رقم (٢٦٦٥) بإسناد حسن قال: استأذنّا النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكتابة فلم يأذن لنا.
قلت: وهذا كان في أول الأمر، ثم صحّ عنه صلى الله عليه وسلم قوله وقت فتح مكة: «اكتبوا لأبي شاه» ، وذلك فيما رواه أحمد في «المسند» ، والبخاري ومسلم في «صحيحيهما» ، والترمذي في «جامعه» ، وانظر نصّ الحديث وتخريجه في «عمدة الأحكام» للمقدسي رقم (٣٤٨) بتحقيقي، ومراجعة والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، طبع دار المأمون للتراث بدمشق. وروى الترمذي في «جامعه» رقم (٢٦٦٦) بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيستمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أسمع منك الحديث فيعجبني ولا أحفظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استعن بيمينك» وأومأ بيده للخط.

<<  <  ج: ص:  >  >>