للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومرّ عمر رضي الله عنه بخولة هذه في أيام خلافته، فقالت: قف يا عمر، فوقف لها، ودنا منها، وأصغى إليها، وأطالت الوقوف، وأغلظت القول، أي قالت له: هيها يا عمر، عهدتك وأنت تسمّى عميرا، وأنت في سوق عكاظ ترعى القيان [١] بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سمّيت عمر، ثمّ لم تذهب الأيام حتى سمّيت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فقال لها الجارود [٢] : قد أكثرت أيّتها المرأة على أمير المؤمنين، فقال عمر: دعها.

وفي رواية فقال له قائل: حبست النّاس لأجل هذه العجوز، قال:

ويحك وتدري من هذه؟ قال: لا، قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها. انتهى.

قلت: ومما يناسب المقام ذكر ابن صيّاد، فإن أخباره وقعت ولا بد بعد الهجرة، ولكني لم أقف على تاريخها، وسأثبته إن عثرت عليه، فلنورد ما ورد


[١] أي الإماء والعبيد. قال ابن منظور: قال أبو بكر: قولهم: فلانة قينة معناه في كلام العرب الصانعة، والقين: الصانع. قال خباب بن الأرت: كنت قينا في الجاهلية، أي صانعا، والقينة هي الأمة، صانعة كانت أو غير صانعة، قال أبو عمرو: كل عبد عند العرب قين، والأمة قينة، قال: وبعض الناس يظن القينة المغنية خاصة، قال: وليس هو كذلك. «لسان العرب» «قين» (٥/ ٣٧٩٩) .
[٢] هو الجارود بن المعلّى، ويقال: ابن عمرو بن المعلى، وقيل: الجارود بن العلاء، وقيل: غير ذلك، ولقب الجارود لأنه غزا بكر بن وائل فاستأصلهم، قال الشاعر:
فدسناهم بالخيل من كل جانب ... كما جرد الجارود بكر بن وائل
وكان سيد عبد القيس، وقدم سنة عشر في وفد عبد القيس الأخير وسر النبيّ صلى الله عليه وسلم بإسلامه وقربه وأدناه. انظر «الإصابة» لابن حجر (٢/ ٥٠، ٥٢) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (١/ ٣١١، ٣١٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>