للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تضع حبة قمح في البيت الأول، ولا تزال تضعفها [١] حتّى تنتهي إلى آخرها، فمهما بلغ تعطيني، فاستصغر الملك ذلك، وأنكر عليه كونه قابله بالنزر [اليسير] ، وقد كان أضمر له شيئا كثيرا، فقال: ما أريد إلا هذا، فأجابه إلى مطلوبه، وتقدم له به، فلما حسبه أرباب الديوان قالوا: ما عندنا ولا في ملكنا ما يفي به ولا ما يقاربه، فكانت أمنيته أعجب من وضعه، وكيفية تضعيفه، وما انتهى إليه التضعيف مما شاع وذاع فلا نطيل به، ولكن ما انتهى إليه التضعيف على ما قاله ابن الأهدل [٢] وهو آخر بيت من أبيات الرقعة الأربعة والستين، إلى ستة عشر ألف مدينة وثلاثمائة وأربع وثمانين مدينة.

وقال ابن الأهدل أيضا: ومن المعلوم قطعا أن الدّنيا ليس فيها مدن أكثر من هذا العدد، فإن دور كرة الأرض معلوم بطريق الهندسة، وهو ثمانية آلاف فرسخ، بحيث لو وضعنا طرف حبل على أيّ موضع من الأرض وأدير الحبل على كرة الأرض ومسح الحبل، كان أربعة وعشرين ألف ميل، وهي ثمانية آلاف فرسخ، وذلك قطعي لا شك فيه.

وقد أراد المأمون أن يقف على حقيقة ذلك، فسأل بني موسى بن شاكر [٣] وكانوا قد انفردوا بعلم الهندسة، فقالوا: نعم هذا قطعي، فسألهم تحقيقه معاينة، فسألوا عن صحراء مستوية، فقيل صحراء سنجار، ووطأة الكوفة، فخرجوا إليها، ووقفوا في موضع واحد، ثم أخذوا ارتفاع القطب الشمالي وضربوا في ذلك الموضع وتدا، وربطوا حبلا طويلا ثم مشوا إلى الجهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف إلى يمين أو شمال بحسب الإمكان، فلما فرغ الحبل نصبوا وتدا آخر في الأرض وربطوا فيه حبلا آخر،


[١] في الأصل والمطبوع: «تضعها» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» (٤/ ٣٥٧) و «مرآة الجنان» (٢/ ٣٢٠) .
[٢] انظر في هذا الخبر أيضا «مرآة الجنان» لليافعي (٢/ ٣٢١- ٣٢٢) .
[٣] انظر «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» للقفطي ص (٢٠٨) مصوّرة مكتبة المتنبي في القاهرة، ففيه ترجمة موسعة له.

<<  <  ج: ص:  >  >>