للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصانيفه، وكان الفارابيّ رجلا تركيا، ولد في بلده ونشأ بها، ثم خرج من بلده وتنقلت به الأسفار إلى أن وصل إلى بغداد، وهو يعرف اللسان التركي وعدة لغات غير العربي، فشرع في اللسان العربي، فتعلمه وأتقنه غاية الإتقان، ثم اشتغل بعلوم الحكمة.

ولما دخل بغداد كان بها أبو بشر، متّى بن يونس الحكيم المشهور، وهو شيخ كبير، وكان يعلّم الناس فن المنطق، وله إذ ذاك صيت عظيم وشهرة وافية، ويجتمع في حلقته خلق كثير من المشتغلين، وهو يقرأ كتاب أرسطاطاليس في المنطق، ويملي على تلامذته شرحه، فكتب عنه في شرحه سبعون سفرا، ولم يكن في ذلك الوقت مثله أحد في فنه، وكان حسن العبارة في تأليفه، وكان يستعمل في تصانيفه البسط والتذييل، حتّى قال بعض علماء هذا الفن: ما أرى أبا نصر الفارابي أخذ طريق [١] تفهيم المعاني الجزلة بالألفاظ السهلة إلّا من بشر، يعني المذكور، وكان أبو نصر يحضر حلقته في غمار تلامذته.

فأقام أبو نصر برهة، ثم ارتحل إلى مدينة حرّان، وفيها يوحنا بن جيلان، الحكيم النصراني، فأخذ عنه طرفا من المنطق أيضا، ثم إنه قفل إلى بغداد راجعا، وقرأ بها علوم الفلسفة، وتناول جميع كتب أرسطاطاليس، وتمهر في استخراج معانيها، والوقوف على أغراضه فيها، ويقال: إنه وجد «كتاب النفس» لأرسطاطاليس وعليه مكتوب بخط أبي نصر الفارابي: قرأت «السماع الطبيعي» لأرسطاطاليس أربعين مرة، وأرى أني محتاج إلى معاودة قراءته.

ورأيت في بعض المجاميع، أن أبا نصر لما ورد على سيف الدولة، وكان مجلسه مجمع الفضلاء في جميع المعارف، وكان سلطان الشام يومئذ،


[١] لفظة «طريق» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع و «وفيات الأعيان» (٥/ ١٥٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>