للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدخل عليه [١] وهو بزيّ الأتراك، وكان ذلك زيّه دائما، فقال له سيف الدولة:

اقعد [٢] ، فقال: حيث أنا، أم حيث أنت؟ ثم تخطى رقاب الناس حتّى انتهى إلى مسند سيف الدولة وزاحمه فيه، حتّى أخرجه عنه، وكان على رأس سيف الدولة مماليك، وله معهم لسان خاص يسارهم به، قلّ أن يعرفه أحد، فقال لهم بذلك اللسان: إن هذا الشيخ قد أساء الأدب، وإني مسائله عن أشياء إن لم يعرفها فاخرقوا به، فقال له أبو نصر بذلك اللسان: أيها الأمير، اصبر فإن الأمور بعواقبها، فعجب سيف الدولة منه، وقال له: أتحسن هذا اللسان؟

قال: نعم، أحسن أكثر من سبعين لسانا، فعظم عنده، ثم أخذ يتكلم مع العلماء الحاضرين في المجلس في كل فن، فلم يزل كلامه يعلو وكلامهم يسفل، حتّى صمت الكلّ، وبقي يتكلم وحده، ثم أخذوا يكتبون ما يقوله، فصرفهم سيف الدولة وخلا به، فقال له: هل لك [في] أن تأكل شيئا؟ قال:

لا، قال: فهل تشرب؟ قال: لا، قال: فهل تسمع؟ فقال: نعم، فأمر سيف الدولة بإحضار القيان، فحضر كل ماهر في هذا الفن بأنواع الملاهي، فلم يحرّك أحد منهم آلة إلا وعابه أبو نصر، وقال: أخطأت، فقال سيف الدولة:

وهل تحسن في هذه [٣] الصناعة شيئا؟ قال: نعم، ثم أخرج من وسطه خريطة، ففتحها وأخرج منها عيدانا فركبها، ثم لعب بها فضحك [منها] كل من في المجلس، ثم فكها وغيّر تركيبها وركبها تركيبا آخر وضرب بها، فبكى كلّ من في المجلس، ثم فكّها وغيّر تركيبها وحرّكها، فنام كلّ من في المجلس، حتّى البوّاب، فتركهم نياما وخرج.

ويحكى أن الآلة المسمّاة بالقانون من وضعه، وهو أول من ركّبها هذا التركيب.


[١] في «وفيات الأعيان» : «فأدخل عليه» .
[٢] لفظة «اقعد» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.
[٣] لفظة «هذه» سقطت من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>