للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الثعالبي في حقه: هو من أعيان أهل العلم والأدب، وأفراد الكرم وحسن الشيم، وكان يتقلد [١] قضاء البصرة والأهواز بضع سنين، وحين صرف عنه ورد حضرة سيف الدولة بن حمدان زائرا ومادحا، فأكرم مثواه وأحسن قراه، وكتب في معناه إلى الحضرة ببغداد، حتّى أعيد إلى عمله، وزيد في رزقه ورتبته. وكان الوزير المهلبيّ وغيره من وزراء العراق يميلون إليه ويتعصبون له ويعدّونه ريحانة الندماء، وتاريخ الظرفاء. وكان في جملة الفقهاء والقضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي، ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطّراح الحشمة والتبسّط في القصف والخلاعة، وهم: القاضي أبو بكر بن قريعة، وابن معروف، والتنوخي المذكور، وغيرهم، وما منهم إلا أبيض اللحية طويلها، وكذلك كان المهلبي، فإذا تكامل الأنس، وطاب المجلس، ولذّ السماع، وأخذ الطرب منهم مأخذه، وهبوا ثوب الوقار للعقار [٢] ، وتقلبوا في أعطاف العيش من الخفة والطيش، ووضع في يد كل واحد منهم طاس ذهب فيه ألف مثقال، مملوء [٣] شرابا قربليا [أو عكبريا] [٤] فيغمس لحيته فيه بل ينقعها حتّى تشرب أكثره ويرش [٥] بعضهم بعضا، ويرقصون بأجمعهم وعليهم المصبغات، ومخانق [٦] المنثور والبرم، فإذا صحوا [٧] عادوا كعادتهم في التوقّر والتحفّظ بأبهة القضاء وحشمة المشايخ الكبراء، وأورد من شعره:

وراح من الشمس مخلوقة ... بدت لك في قدح من نهار


[١] في «وفيات الأعيان» : «وكان تقلد» .
[٢] العقار: الخمر لمعاقرتها: أي لملازمتها. انظر «المختار من القاموس المحيط» للزاوي (عقر) .
[٣] في الأصل: «مملوءا» .
[٤] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «وفيات الأعيان» .
[٥] في الأصل: «ويدش» وأثبت ما في المطبوع و «وفيات الأعيان» .
[٦] في المطبوع: «ومخارق» وهو خطأ.
[٧] في «وفيات الأعيان» : «فإذا أصبحو» .

<<  <  ج: ص:  >  >>