للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن خلّكان [١] : وكانت كتب اللغة أكثر ما تقرأ عليه وتؤخذ عنه، ولم يكن بالضابط لروايته في الحديث والفقه، ولا كانت له أصول يرجع إليها، وكان ما يسمع عليه من ذلك إنما يحمل على المعنى لا على اللفظ، وكان كثيرا ما يقرأ عليه ما لا رواية له به على جهة التصحيح، وطال عمره فسمع الناس منه [٢] طبقة بعد طبقة، وروى عنه الشيوخ والكهول، وكان قد لقي مشايخ عصره بالأندلس وأخذ عنهم، وأكثر من النقل من فوائدهم.

وصنّف الكتب المفيدة في اللغة، منها: كتاب «تصاريف الأفعال» وهو الذي فتح هذا الباب، فجاء من بعده ابن القطّاع [٣] وتبعه، وله كتاب «المقصور والممدود» جمع فيه ما لا يحدّ ولا يوصف، ولقد أعجز من يأتي بعده وفاق من تقدّمه.

وكان مع هذه الفضائل من العبّاد النّساك، وكان جيد الشعر، صحيح الألفاظ، واضح المعاني، حسن المطالع والمقاطع، إلا أنه ترك ذلك [ورفضه] [٤] .

حكى الشاعر أبو بكر [يحيى] بن هذيل التميمي أنه توجه يوما إلى ضيعة له بسفح جبل [٥] قرطبة، وهي من بقاع الأرض الطيبة المؤنقة، فصادف أبا بكر بن القوطية المذكور صادرا عنها، وكانت له أيضا هناك ضيعة، قال:

فلما رآني عرّج عليّ واستبشر بلقائي، فقلت له: على البديهة [٦] مداعبا له:


[١] انظر «وفيات الأعيان» (٤/ ٣٦٨- ٣٧١) .
[٢] في الأصل والمطبوع: «عنه» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[٣] هو أبو القاسم علي بن جعفر البغدادي الصقلي، المعروف بابن القطّاع، صاحب كتاب «تثقيف اللسان» المتوفى سنة (٥١٤) ، وسوف ترد ترجمته في المجلد السادس من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
[٤] زيادة من «وفيات الأعيان» .
[٥] لفظة «جبل» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.
[٦] تحرفت في المطبوع إلى «البهديهة» .

<<  <  ج: ص:  >  >>