فلم أر قبل جذعك قطّ جذعا ... تمكن من عناق المكرمات
أسأت إلى النوائب فاستثارت ... فأنت قتيل ثأر النّائبات
وهي طويلة.
ولم يزل ابن بقيّة مصلوبا إلى أن توفي عضد الدولة، فأنزل عن الخشبة، ودفن في موضعه.
قال الحافظ ابن عساكر في «تاريخ دمشق» : لما صنع أبو الحسن المرثية التائية، كتبها ورماها في شوارع بغداد، فتداولتها الأدباء إلى أن وصل الخبر إلى عضد الدولة، فلما أنشدت بين يديه، تمنى أن يكون هو المصلوب دونه، وقال: عليّ بهذا الرجل، فطلب سنة كاملة، واتصل الخبر بالصاحب بن عبّاد وهو بالرّيّ، فكتب له الأمان، فلما سمع أبو الحسن ذلك قصد حضرته، فقال له: أنت القائل هذه الأبيات؟ قال: نعم، قال: أنشدنيها من فيك، فلما أنشد:
ولم أر قبل جذعك قطّ جذعا ... تمكن من عناق المكرمات
قام إليه الصاحب وقبّل فاه، وأنفذه إلى عضد الدولة، فلما مثل بين يديه قال: ما الذي حملك على رثاء عدوي؟ فقال: حقوق سلفت وأياد مضت، فقال: هل يحضرك شيء في الشموع؟ والشموع تزهر بين يديه، فأنشأ يقول:
كأنّ الشّموع وقد أظهرت ... من النّار في كلّ رأس سنانا
أصابع أعدائك الخائفين ... تضرّع تطلب منك الأمانا
فلما سمعها خلع عليه وأعطاه فرسا وردّه. انتهى.
وكان ابن بقيّة في أول أمره قد توصل إلى أن صار صاحب مطبخ معز الدولة والد عزّ الدولة، ثم انتقل إلى غيرها من الخدم، ولما مات معز الدولة