للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأني أنظر إليه الآن، وإلى عينيه، إحداهما نادرة والأخرى غائرة جدا، وهو مجدّر الوجه، نحيف الجسم.

وكان يقول: كأنما نظر المتنبي إليّ بلحظ الغيب حيث يقول:

أنا الّذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم [١]

وشرح «ديوان أبي تمام» وسمّاه «ذكرى حبيب» و «ديوان البحتري» وسمّاه «عبث الوليد» و «ديوان المتنبي» وسمّاه «معجز أحمد» وتكلم على غريب أشعارهم ومعانيها ومآخذهم من غيرهم وما أخذ عليهم، وتولى الانتصار لهم والنقد في بعض المواضع عليهم والتوجيه في أماكن لخطئهم.

ودخل بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، ودخلها ثانيا [٢] ، سنة تسع وتسعين، وأقام بها سنة وسبعة أشهر، ثم رجع إلى المعرّة ولزم منزله، وشرع في التصنيف، وأخذ عنه الناس، وسار إليه الطلبة من الآفاق، وكاتبه العلماء والوزراء، وأهل الأقدار، وسمى نفسه رهن المحبسين [٣] ، للزومه منزله ولذهاب عينيه، ومكث مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم تدينا، لأنه كان يرى رأي الحكماء المتقدمين، وهم لا يأكلونه، كيلا يذبحوا [٤] الحيوان، ففيه تعذيب له، وهم لا يرون إيلام جميع الحيوانات.

وعمل الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ومن شعره في «اللزوم» :

لا تطلبنّ بآلة لك رفعة [٥] ... قلم البليغ بغير جدّ مغزل

سكن السما كان السماء كلاهما ... هذا له رمح وهذا أعزل


[١] البيت في «ديوان المتنبي» بشرح العكبري (٣/ ٣٦٧) .
[٢] في «وفيات الأعيان» : «ثانية» .
[٣] في «آ» و «ط» : «رهن الحبسين» وهو خطأ والتصحيح من «وفيات الأعيان» وانظر «سير أعلام النبلاء» (١٨/ ٢٦) .
[٤] في «آ» و «ط» : «كيلا يذبحون» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[٥] في «وفيات الأعيان» : «رتبة» .

<<  <  ج: ص:  >  >>