للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقلوها عنه، فتغير عليه وقصده، فلما انتهى إلى سبته، جهز إليه العساكر، وقدّم عليها سير [١] بن أبي بكر الأندلسي، فوصل إلى إشبيلية وبها المعتمد، فحاصره أشد محاصرة، وظهر من مصابرة المعتمد وشدة بأسه وتراميه على الموت بنفسه ما لم يسمع بمثله، والناس بالبلد قد استولى عليهم الفزع وخامرهم الجزع، يقطعون سبلها سياحة ويخوضون نهرها سباحة، ويترامون من شرفات الأسوار. فلما كان يوم الأحد عشري رجب سنة أربع وثمانين، هجم عسكر الأمير يوسف البلد وشنّوا فيه الغارات، ولم يتركوا لأحد شيئا، وخرج الناس من منازلهم يسترون عوراتهم بأيديهم، وقبض على المعتمد وأهله، وكان قد قتل له ولدان قبل ذلك، أحدهما المأمون، كان ينوب عن والده في قرطبة فحصروه بها إلى أن أخذوه وقتلوه، والثاني الرّاضي، كان أيضا نائبا عن أبيه في رندة وهي من الحصون الممتنعة، فنازلوها وأخذوها، وقتلوا الرّاضي، ولأبيهما المعتمد فيهما مراث كثيرة.

وبعد ذلك جرى بإشبيلية على المعتمد ما ذكرناه. ولما أخذ المعتمد قيدوه من ساعته، وجعل مع أهله في سفينة.

قال ابن خاقان في «قلائد العقيان» : ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت، وضمّتهم كأنهم أموات، بعد ما ضاق عنهم القصر، وراق منهم العصر، والناس قد حشروا بضفتي الوادي، يبكون [٢] بدموع الغوادي، فساروا والنوح يحدوهم، والبوح باللوعة لا يعدوهم، وفي ذلك يقول ابن اللبانة:

تبكي السّماء بدمع رائح غادي ... على البهاليل من أبناء عبّاد

يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ ... في ضم رحلك واجمع فضلة الزّاد


[١] تحرّف في «آ» و «ط» إلى «سيرين» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (١٠/ ١٨٩ و ١٩٠ و ١٩٣) .
[٢] في «آ» و «ط» : «وبكوا» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .

<<  <  ج: ص:  >  >>