للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي اعتقاله يقول أبو بكر الدّاني قصيدته المشهورة التي أولها:

لكلّ شيء من الأشياء ميقات ... وللمنى من مناياهنّ غايات

والدّهر في صبغة الحرباء منغمس ... ألوان حالاته فيها استحالات

ونحن من لعب الشطرنج في يده ... وربما قمرت بالبيدق الشاة

انفض يديك من الدّنيا وساكنها ... فالأرض قد اقفرت والنّاس قد ماتوا

وقل لعالمها الأرضي قد كتمت ... سريرة العالم العلوي أغمات

وهي طويلة.

ودخل عليه يوما بناته السجن، وكان يوم عيد، وكنّ يغزلن للناس بالأجرة في أغمات، حتّى إن إحداهنّ غزلت لبيت صاحب الشرطة الذي كان في خدمة أبيها وهو في سلطانه، فرآهنّ في أطمار رثّة وحالة سيئة، فصدعن قلبه، وأنشد:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ... فساءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعة ... يغزلن للنّاس لا يملكن قطميرا [١]

برزن نحوك للتّسليم خاشعة ... أبصارهنّ حسيرات مكاسيرا

يطأن في الطّين والأقدام حافية ... كأنّها لم تطأ مسكا وكافورا

ومنها:

قد كان دهرك إن تأمره ممتثلا ... فردّك الدّهر منهيّا ومأمورا

من بات بعدك في دهر [٢] يسرّ به ... فإنما بات بالأحلام مغرورا


[١] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «قمطيرا» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (٥/ ٣٥) . والقطمير:
الفوفة التي في النّواة، وهي القشرة الرقيقة، وقيل: هي النّكتة البيضاء التي في ظهر النواة تنبت منها النخلة. انظر «مختار الصحاح» (قطمر) .
[٢] في «وفيات الأعيان» : «في ملك» .

<<  <  ج: ص:  >  >>