ودخل عليه وهو في تلك الحال ولده أبو هاشم والقيود قد عضّت بساقيه عض الأسود، والتوت عليه التواء الأساور السود، وهو لا يطيق إعمال قدم، ولا يريق دمعا إلّا ممتزجا بدم، بعد ما عهد نفسه فوق منبر وسرير، ووسط جنّة وحرير، تخفق عليه الألوية، وتشرق منه الأندية، فلما رآه بكى وأنشد:
قيدي أما تعلمني مسلما ... أبيت أن تشفق أو ترحما
دمي شراب لك واللّحم قد ... أكلته لا تهشّم الأعظما
يبصرني فيك أبو هاشم ... فينثني والقلب قد هشّما
ارحم طفيلا طائشا لبّه ... لم يخش أن يأتيك مسترحما
وارحم أخيّات له مثله ... جرعتهنّ السمّ والعلقما
منهنّ من يفهم شيئا فقد ... خفنا عليه للبكاء العمى
والغير لا يفهم شيئا فما ... يفتح إلّا للرضاع الفما
وكان قد اجتمع عنده جماعة من الشعراء وألحّوا عليه في السؤال، وهو على تلك الحال فأنشد:
سألوا اليسير من الأسير وإنه ... بسؤالهم لأحقّ منهم فاعجب
لولا الحياء وعزة لخميّة ... طيّ الحشا لحكاهم في المطلب
وأشعار المعتمد وأشعار الناس فيه كثيرة، وكانت ولادته في ربيع الأول، سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة بمدينة باجة من بلاد الأندلس، وملك بعد وفاة أبيه هناك، وتوفي في السجن بأغمات حادي عشر شوال، وقيل: في [ذي] الحجة، رحمه الله.