للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن النادر الغريب أنه نودي في جنازته بالصلاة على الغريب، بعد عظم سلطانه وجلالة شأنه، فتبارك من له البقاء والعزّة والكبرياء، واجتمع عند قبره جماعة من الشعراء، الذين كانوا يقصدونه بالمدائح، ويجزل لهم المنائح، فرثوه بقصائد مطولات، وأنشدوها عند قبره، وبكوا عليه، فمنهم:

أبو بحر عبد الصمد شاعره المختص به، رثاه بقصيدة طويلة أجاد فيها وأولها:

ملك الملوك أسامع فأنادي ... أم قد عدتك عن [١] السماع عوادي

لمّا نقلت عن القصور ولم تكن ... فيها كما قد كنت بالأعياد

أقبلت [٢] في هذا الثّرى لك خاضعا ... وجعلت قبرك موضع الإنشاد

ولما فرغ من إنشادها قبّل الثرى، ومرغ جسمه، وعفّر خده، فأبكى كل من حضر.

ورأى أبو بكر الدّاني حفيد المعتمد- وهو غلام وسيم- قد اتخذ الصياغة صناعة، وكان يلقب في أيام دولتهم فخر الدولة، وهو من الألقاب السلطانية عندهم، فنظر إليه وهو ينفخ في الفحم بقصبة الصائغ، فقال من جملة قصيدة:

شكاتنا فيك يا فخر العلى عظمت ... والرزء يعظم فيمن قدره عظما

طوّقت من نائبات الدّهر مخنقة ... ضاقت عليك وكم طوّقتنا نعما

وعاد طوقك في دكان قارعة [٣] ... من بعد ما كنت في قصر حكى إرما

صرفت في آلة الصّياغ أنملة ... لم تدر إلا النّدى والسيف والقلما

يد عهدتك للتّقبيل تبسطها ... فتستقلّ الثريا أن تكون فما

يا صائغا كانت العليا تصاغ له ... حليا وكان عليه الحليّ منتظما


[١] في «آ» و «ط» : «من» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» (٥/ ٣٧) .
[٢] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «قبلت» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[٣] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «فارغة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

<<  <  ج: ص:  >  >>