للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل هي لرجل يخرج على ابن تاشفين، ثم يغلب على الأمر.

وكانت تهمة ابن تومرت في إظهار العقيدة والدعاء إليها، وكان أهل المغرب على طريقة السلف ينافرون الكلام وأهله.

ولما كثرت أصحابه أخذ يذكر المهديّ ويشوّق إليه، ويروي الأحاديث التي وردت فيه. فتلهفوا على لقائه، ثم روى ظمأهم وقال: أنا هو، وساق لهم نسبا ادّعاه وصرّح بالعصمة، وكان على طريقة مثلي لا تنكر [١] معها العصمة، فبادروا إلى متابعته، وصنّف لهم مصنفات مختصرات، وقوي أمره في سنة خمس عشرة وخمسمائة.

فلما كان في [سنة] سبع عشرة جهّز عسكرا من المصامدة أكثرهم من أهل تينملّ، والسّوس، وقال: اقصدوا هؤلاء المارقين [من] المرابطين، فادعوهم إلى إزالة البدع والإقرار بالإمام المعصوم، فإن أجابوكم وإلّا فقاتلوهم.

وقدم عليهم عبد المؤمن، فالتقاهم الزّبير ولد أمير المسلمين، فانهزمت المصامدة [٢] ونجا عبد المؤمن، ثم التقوهم مرّة أخرى فنصرت الصامدة واستفحل أمرهم، وأخذوا في شنّ الإغارات على بلاد ابن تاشفين، وكثر الداخلون في دعوتهم، وانضم إليهم كل مفسد ومريب، واتّسعت عليهم الدّنيا، وابن تومرت في ذلك كله لون واحد من الزهد، والتقلل، والعبادة، وإقامة السّنن والشعائر، لولا ما أفسد القضية بالقول بنفي الصفات كالمعتزلة، وبأنّه المهدي، وبتسرعه في الدماء، وكان ربما كاشف أصحابه ووعدهم بأمور فتوافق، فيفتنون به، وكان كهلا أسمر عظيم الهامة ربعة حديد النظر، مهيبا، طويل الصمت، حسن الخشوع والسمت، وقبره مشهور معظّم، ولم


[١] في «العبر» بطبعتيه: «لا ينكر» .
[٢] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المصادمة» والتصحيح من «العبر» (٤/ ٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>