عبد الباقي، فأجمعا أن عمره اثنتان وخمسون سنة. قال: وها أنا قد تجاوزت التسعين.
قال: ورأيته بعد ثلاث وتسعين صحيح الحواس لم يتغير منها شيء، ثابت العقل، يقرأ الخط الدقيق من بعد. ودخلنا عليه قبل موته بمديدة فقال:
قد نزلت في أذني مادة، فقرأ علينا من حديثه، وبقي على هذا نحوا من شهرين، ثم زال ذلك وعاد إلى الصحة، ثم مرض فأوصى أن يعمق قبره زيادة على العادة، وأن يكتب عليه قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ٣٨: ٦٧- ٦٨ [ص: ٦٨- ٦٩] وبقي ثلاثة أيام قبل موته لا يفتر من قراءة القرآن، إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني رجب، ودفن بباب حرب إلى جانب أبيه قريبا من بشر الحافي، رحمه الله.
وقال ابن الخشاب: كان مع تفرّده بعلم الحساب والفرائض، وافتنانه في علوم عديدة [١] صدوقا ثبتا في الرواية، متحريا فيها.
وقال ابن ناصر: لم يخلّف بعده من يقوم مقامه في علمه.
وقال ابن شافع: ما رأيت ابن الخشاب يعظم أحدا من مشايخه تعظيمه له.
وقال ابن أبي الفوارس: سمعت القاضي أبا بكر بن عبد الباقي يقول:
كنت مجاورا بمكة- حرسها الله تعالى- فأصابني يوما جوع شديد لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسا من إبريسم مشدودا بشرابة إبريسم أيضا، فأخذته وجئت إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله، فخرجت فإذا شيخ ينادي عليه ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار، وهو يقول: هذا لمن يردّ علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلت: أنا محتاج، وأنا