للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه رحل إلى المشرق مع أبيه يوم الأحد مستهل ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وأنه دخل الشام ولقي بها أبا بكر محمد بن الوليد الطرطوشي، وتفقّه عنده. ودخل بغداد وسمع بها من جماعة من أعيان مشايخها، ثم دخل الحجاز فحجّ في موسم سنة تسع وثمانين ثم عاد إلى بغداد، وصحب بها أبا بكر الشّاشي، وأبا حامد الغزالي، وغيرهما من العلماء والأدباء، ثم صدر عنهم. ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدّثين، فكتب عنهم واستفاد منهم وأفادهم، ثم عاد إلى الأندلس سنة ثلاث وتسعين وقدم إلى إشبيلية بعلم كثير لم يدخل به أحد قبله ممن كانت له رحلة إلى المشرق.

وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها، متقدما [١] في المعارف كلها، متكلما في أنواعها، ناقدا في جميعها، حريصا على أدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها، ويجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق، مع حسن المعاشرة ولين الكنف، وكثرة الاحتمال وكرم النفس، وحسن العهد، وثبات الودّ. واستقضي ببلده فنفع الله به أهله [٢] لصرامته وشدّته، ونفوذ أحكامه. وكانت له في الظالمين صورة [٣] مرهوبة، ثم صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم وبثه. وسألته عن مولده فقال: ولدت يوم [٤] الخميس ثاني عشري شعبان، سنة ثمانين وأربعمائة، وتوفي بالغدوة [٥] ودفن بمدينة فاس في شهر ربيع الآخر، رحمه الله تعالى. انتهى.


[١] في «آ» و «ط» : «مقدما» وما أثبته من «الصلة» .
[٢] في «آ» و «ط» : «أهلها» وما أثبتناه من «الصلة» .
[٣] في «الصلة» : «سورة» .
[٤] في «الصلة» : «ليلة» .
[٥] كذا في «آ» و «ط» : «بالغدوة» بالغين المعجمة، وفي «الصلة» : «بالعدوة» بالعين المهملة، وعند المقري في «نفح الطيب» (٢/ ٢٨) : «توفي بمغيلة بمقربة من مدينة فاس» .

<<  <  ج: ص:  >  >>