للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ اقتنى الدّرّ الذي ... من ناله نال الشّرف

توفي- رحمه الله تعالى- في آخر نهار عرفة، وقيل: ليلة عيد النحر، سنة تسع وخمسين وخمسمائة، كما جزم به ابن رجب.

وفيها سديد الدولة ابن الأنباري، صاحب ديوان الإنشاء ببغداد، وهو محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم الشيباني [١] ، الكاتب البليغ. أقام في الإنشاء خمسين سنة، وناب في الوزارة، ونفذ رسولا، وكان ذا رأي وحزم وعقل. عاش نيفا وثمانين سنة. وكانت رسائله بديعة المعاني، متينة المباني، عذبة المجاني. ومدحته الشعراء منهم الأرّجاني بقصيدة أولها:

إلى خيال خيال في الظلام سرى ... نظيره في خفاء الشخص إذ نظرا

ومنها:

معقرب الصّدغ تحكي نور غرّته ... بدر بدا بظلام اللّيل معتكرا

مذ سافر القلب من صدري إليه هوى ... ما عاد قطّ ولم أسمع له خبرا

وهو المسيء اختيارا إذ نوى سفرا ... وقد رأى طالعا في العقرب القمرا

وكانت بينه وبين الحريري مكاتبات ومراسلات.

وفيها الجواد جمال الدّين أبو جعفر محمد بن علي الأصبهاني [٢] ، وزير صاحب الموصل أتابك زنكي. كان رئيسا نبيلا مفخّما دمث الأخلاق سمحا كريما مفضالا، متنوعا في أفعال البرّ والقرب، مبالغا في ذلك. وقد وزر أيضا لولد زنكي سيف الدّين غازي، ثم لأخيه قطب الدّين مدة، ثم قبض عليه في هذه السنة وحبسه، ومات في العام الآتي فنقل ودفن بالبقيع. ولقد حكى ابن الأثير [٣] في ترجمة الجواد هذا مآثر ومحاسن لم يسمع بمثلها.


[١] انظر «العبر» (٤/ ١٦٥- ١٦٦) و «سير أعلام النبلاء» (٢٠/ ٣٥٠- ٣٥١) .
[٢] انظر «العبر» (٤/ ١٦٦) .
[٣] انظر «الكامل في التاريخ» (١١/ ٣٠٦- ٣١٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>