لا تبرح. قال: فجلس عندهم وأعطاه الوزير خمسين دينارا. قال: فقلنا للوزير:
لقد أحسنت إلى هذا وعملت معه أمرا عظيما وبالغت في الإحسان إليه. فقال الوزير: منكم أحد يعلم أن عيني اليمنى لا أبصر بها شيئا؟ فقلنا: معاذ الله، فقال: بلى والله. أتدرون ما سبب ذلك؟ قلنا: لا. قال: هذا الذي خلّصته من القتل جاء إليّ وأنا في الدور ومعي كتاب من الفقه أقرأ فيه ومعه سلّة فاكهة، فقال: احمل هذه السلّة، قلت له: ما هذا شغلي فاطلب غيري، فشاكلني، ولكمني، فقلع عيني ومضى، ولم أره بعد ذلك إلى يومي هذا.
فذكرت ما صنع بي فأردت أن أقابل إساءته إليّ بالإحسان مع القدرة.
وقال صاحب سيرته: كنا عنده يوما والمجلس غاص بولاة الدّين والدّنيا، والأعيان [١] الأماثل، وابن شافع يقرأ عليه الحديث، إذ فجأنا من باب السّتر وراء ظهر الوزير صراخ بشع وصياح مرتفع، فاضطرب له المجلس، فارتاع الحاضرون والوزير ساكن ساكت، حتى أنهى ابن شافع قراءة الإسناد ومتنه، ثم أشار الوزير إلى الجماعة أن على رسلكم، وقام ودخل السّتر، ولم يلبث أن خرج فجلس وتقدم بالقراءة، فدعا له ابن شافع والحاضرون، وقالوا: قد أزعجنا ذلك الصياح، فإن رأى مولانا أن يعرّفنا سببه؟ فقال الوزير: حتى ينتهي المجلس، وعاد ابن شافع إلى القراءة حتّى غابت الشمس وقلوب الجماعة متعلقة بمعرفة الحال، فعاودوه، فقال: كان لي ابن صغير مات حين سمعتم الصياح عليه ولولا تعين الأمر عليّ بالمعروف في الإنكار عليهم ذلك الصياح لما قمت عن مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فعجب الحاضرون من صبره.
وقال في كتابه «الإفصاح» في الخضر الذي لقيه موسى عليه السّلام:
[١] في «آ» و «ط» : «وأعيان» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .