وذكر ياقوت الحموي في «معجمه» بإسناد له أن الوزير عرضت عليه جارية فائقة الحسن، وأظهر له في المجلس من أدبها وحسن كتابتها وذكائها وظرفها ما أعجبه، فأمر فاشتريت له بمائة وخمسين دينارا، وأمر أن يهيأ لها منزل وجارية، وأن يحمل لها من الفرش والآنية والثياب ما تحتاج إليه، ثم بعد ثلاثة أيام جاءه الذي باعها وشكا له ألم فراقها، فضحك وقال له: لعلك تريد ارتجاع الجارية؟ قال: إي والله، وهذا الثمن بحاله لم أتصرف فيه وأبرزه، فقال الوزير: ولا نحن تصرفنا في المثمّن، ثم قال لخادمه: ادفع إليه الجارية وما عليها وجميع ما في حجرتها، ودفع إليه الخرقة التي فيها الثمن، وقال استعينا به على شأنكما، فأكثرا من الدعاء له، فأخذها وخرج.
وحكي عنه أنه كان إذا مدّ السماط أكثر ما يحضره الفقراء والعميان، فلما كان ذات يوم وأكل الناس وخرجوا، بقي رجل ضرير يبكي ويقول:
سرقوا متاعي وما لي غيره، وو الله ما أقدر على ثمن مداس، فقام الوزير من مجلسه، ولبس مداسه وجاء إلى الضرير، فوقف عنده وخلع مداسه والضرير لا يعرف، وقال له: البس هذا وأبصره قدر رجلك؟ فلبسه وقال: نعم كأنه مداسي، ومضى الضرير ورجع الوزير إلى مجلسه وهو يقول: سلمت منه أن يقول: أنت سرقته.
وأخبار الوزير- رحمه الله تعالى- ومناقبه كثيرة جدا. وقد مدحه الشعراء فأكثروا. منهم الحيص بيص، وابن بختيار الأبله، وابن التّعاويذي، والعماد الكاتب، وخلق كثير.
قال ابن الجوزي: كان الوزير يتأسف على ما مضى من زمانه، ويندم على ما دخل فيه، ثم صار يسأل الله عزّ وجلّ الشهادة، ونام ليلة الأحد ثالث عشر جمادى الأولى في عافية، فلما كان وقت السحر، حضر طبيب كان يخدمه، فسقاه شيئا، فيقال: إنه سمّ فمات، وسقي الطبيب بعده بنحو ستة