أبي سعد المبارك المخرّمي، وفاق أهل وقته في علوم الديانة، ووقع له القبول التّام، مع القدم الراسخ في المجاهدة وقطع دواعي الهوى والنفس.
ولما أراد الله إظهاره أضيف إلى مدرسة أستاذه أبي سعد [١] المخرّمي، فعمرها وما حولها، وأعانه الأغنياء بأموالهم والفقراء بأنفسهم، فكملت في سنة ثمان وعشرين، ثم تصدّر فيها للتدريس، والوعظ، والتذكير، وقصد بالزيارات والنذور من الآفاق، وصنّف وأملى، وسارت بفضله الركبان، ولقب بمجمع الفريقين، وموضح الطريقين، وكريم الجدّين، ومعلّم العراقين، وتلمذ له أكثر الفقهاء في زمنه، ولبس منه الخرقة المشايخ الكبار، وصار قطب الوجود، وأكبر شيوخ اليمن وغيرها تنتسب إليه، وكراماته تخرج عن الحدّ وتفوت الحصر والعدّ، وله نظم فائق رائق. وتاب على يده معظم أهل بغداد، وأسلم معظم اليهود والنصارى على يديه.
قال الشيخ موفق الدّين- وقد سئل عن الشيخ عبد القادر-: أدركناه في آخر عمره، فأسكننا مدرسته، إلى أن قال: ولم أسمع عن أحد يحكى عنه من الكرامات أكثر مما يحكى عنه، ولا رأيت أحدا يعظمه الناس من أجل الدّين أكثر منه.
وقال الشيخ عز الدّين بن عبد السّلام: ما نقلت إلينا كرامات أحد بالتواتر إلّا الشيخ عبد القادر.
وقال ابن النجار: قال الشيخ عبد القادر: فتشت الأعمال كلها، فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطعام، أودّ لو كانت الدّنيا بيدي فأطعمها الجياع.
وقال: الخلق حجابك عن نفسك، ونفسك حجاب عن ربّك، ما دمت
[١] أقول: وهو المبارك بن علي شيخ الحنابلة، توفي سنة (٥١٣) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (١٩/ ٤٢٨) (ع) .