للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخمس، كثير تلاوة القرآن، لم تسمع منه كلمة فحش، ذو عقل متين، يحب الصالحين ويزورهم في أماكنهم.

قال ابن الأثير [١] : طالعت تواريخ [٢] الملوك المتقدّمين- قبل الإسلام وإلى يومنا هذا- فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين، وعمر بن عبد العزيز، ملكا أحسن سيرة منه، ولا أكثر تحريا للعدل والإنصاف. ثم ذكر زهده، وعدله، وفضله، وجهاده، واجتهاده، وكان لا يأكل، ولا يشرب، ولا يتصرف في شيء يخصه إلّا من ملك اشتراه من سهمه من غنائم الكفّار، ولم يلبس حريرا قطّ ولا ذهبا ولا فضة، وكان كثير الصيام، وله أوراد في الليل والنهار [٣] ، وكان يقدم أشغال المسلمين عليها، ثم يتمم، وكان يلعب بالكرة في ميدان دمشق، فجاء رجل فوقف بإزائه، فقال للحاجب: سله ما حاجته؟

فقال: لي مع نور الدّين حكومة، فرمى الصولجان من يده وجاء إلى مجلس القاضي كمال الدّين الشّهرزوري، وقال له: لا تنزعج، واسلك معي ما تسلكه مع آحاد الناس، فلما حضر سوى بينه وبين خصمه وتحاكما، فلم يثبت للرجل عليه حقّ، وكان يدعي ملكا [٤] في يد نور الدّين، فقال نور الدّين للقاضي: هل ثبت له عليّ حقّ؟ قال: لا. قال: فاشهدوا أني قد وهبت الملك له، وقد كنت أعلم أنه لا حقّ له عندي، وإنما حضرت معه لئلا يقال عنّي أني طلبت إلى مجلس الشرع فأبيت.

وبنى دار العدل، وكان يجلس في كل أسبوع أربعة أيام، ويحضر عنده الفقهاء، ويأمر بإزالة الحجّاب والبوّاب حتّى يصل إليه الشيخ الكبير


[١] انظر «الكامل في التاريخ» (١١/ ٤٠٣) .
[٢] في «الكامل» : «سير» .
[٣] في «ط» : «في النهار والليل» .
[٤] يعني شيئا من أملاكه.

<<  <  ج: ص:  >  >>