للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والضعيف، ويسأل الفقهاء عما أشكل، وإذا حضر الحرب شد تركشين [١] وحمل قوسين، وبنى جامعه بالموصل، وفوّض أمره إلى الشيخ عمر الملّا، وكان من الأخيار، وإنما قيل الملّا لأنه كان يملأ أتون الآجر ويتقوت بالأجرة، وليس عليه غير قميص ولا عمامة، ولا يملك شيئا، فقيل له: إن هذا لا يصح لمثل هذا العمل، فقال: إذا وليت بعض الأجناد لا يخلو من الظلم وهذا الشيخ لا يظلم، فإن ظلم كان الظلم عليه، فدفع إلى الشيخ ستين ألف دينار، وقيل: ثلاثمائة ألف دينار، فتم بناؤه في ثلاث سنين، فلما دخل نور الدّين إلى الموصل دخله وصلى فيه، ووقف عليه قرية، فدخل عليه الملّا وهو جالس على دجلة، وترك بين يديه دفاتر الخرج، وقال: يا مولانا أشتهي أن تنظر فيها، فقال نور الدّين: يا شيخ، نحن عملنا هذا لله تعالى، دع الحساب ليوم الحساب، ثم رمى الورق إلى دجلة.

ووقع في يده ملك من ملوك الفرنج، فبذل في نفسه مالا عظيما، فشاور الأمراء، فأشاروا ببقائه في الأسر خوفا من شرّه، فقال له نور الدّين أحضر المال، فأحضر ثلاثمائة ألف دينار، فأطلقه، فلما وصل إلى بلده مات.

وطلب الأمراء سهمهم، فقال: ما تستحقون شيئا لأنكم أشرتم بغير الفداء، وقد جمع الله تعالى بين الحسنيين الفداء وموت اللعين، فبنى بذلك الفداء المارستان الذي بدمشق، والمدرسة، ودار الحديث، ووقف عليها الأوقاف.

وذكر المطري [٢] في كتابه «تاريخ المدينة» أن السلطان محمود رأى


[١] في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» (٢٠/ ٥٣١) : «تركاشين» وما أثبته من «الكامل في التاريخ» وهو الصواب. جاء في «معجم الألفاظ الفارسية المعربة» لادي شير ص (٣٦) :
التّلكش تعريب «تركش» وهو الجعبة.
[٢] هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن خلف الخزرجي الأنصاري السعدي المدني المطري، المتوفى سنة (٧٤١) هـ، واسم كتابه الذي ألمح إليه المؤلف «التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة» . انظر «لحظ الألحاظ» ص (١١٠) و «الأعلام» (٥/ ٣٢٥- ٣٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>