للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيره، وانتفع به خلق كثير، وكان يتجنب فضول الكلام، ولا ينطق في سائر أوقاته إلّا بما تدعو إليه ضرورة، ولا يجلس للإقراء إلّا على طهارة في هيئة حسنة، وتخشّع واستكانة، وكان يعتل العلّة الشديدة فلا يشتكي ولا يتأوه، وإذا سئل عن حاله قال: العافية، لا يزيد على ذلك، وكان كثيرا ما ينشد هذا اللغز في نعش الموتى:

أتعرف شيئا في السماء نظيره ... إذا سار صاح النّاس حيث يسير

فتلقاه مركوبا وتلقاه راكبا ... وكلّ أمير يعتليه أسير

يحضّ على التّقوى ويكره قربه ... وتنفر منه النفس وهو نذير

ولم يستزر عن رغبة في زيارة ... ولكن على رغم المزور يزور

وكانت ولادته سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وكان ثقة في نفسه، وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن بتربة القاضي الفاضل بالقرافة، وقبره مشهور مزور، وكان شافعي المذهب كما ذكره ابن شهبة في «طبقاته» [١] .

وفيها أبو مدين الأندلسيّ [٢] الزاهد العارف شيخ أهل المغرب، شعيب بن الحسين، سكن تلمسان، وكان من أهل العمل والاجتهاد، منقطع القرين في العبادة والنسك، بعيد الصيت، ويسميه الشيخ محيي الدّين بن عربي بشيخ الشيوخ، ونشر الله ذكره، وتخرّج به جماعة من الفضلاء، كأبي عبد الله القرشي وغيره، وانتهى إليه كثير من العلماء المحقّقين وفضلاء الصالحين، كابن عربي، وله في الحقائق كلام واسع.

ومن شعره:

يا من علا فرأى ما في الغيوب وما ... تحت الثّرى وظلام الليل منسدل


[١] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (٢/ ٤٣- ٤٥) .
[٢] انظر «سير أعلام النبلاء» (٢١/ ٢١٩- ٢٢٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>