للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا كتب إلّا المشرفيّة عندنا ... ولا رسل إلّا الخميس العرمرم

[١] ثم سار إليهم وعبر بحر سبتة إلى الأندلس، ثم رحل منها فدخل بلادهم وأوقع بهم وقعة لم يسمع بمثلها، ولم ينج منهم إلّا ملكهم في عدد يسير، وبلغت الدّروع من المغنم ستين ألف درع ولم يحص عدد الدواب، وكان من عادة الموحدين لا يأسرون مشركا بل يقتلونهم، ثم عاد إلى إشبيلية والتمس الفرنج صلحهم فصالحهم، ولو طالت أيامه لم يترك في يدهم مدينة.

وبنى بالقرب من سلا مدينة على هيئة الإسكندرية في اتساع الشوارع وحسن التقسيم والتحسين، بناها على جانب البحر المحيط، وسمّاها دار الفتح، ثم رجع إلى مرّاكش، وكان محبا للعلم والعلماء، يصلّي بالناس الخمس ويلبس الصوف، وكان على قدم التواضع وإليه تنسب الدنانير اليعقوبية، وكان قد عزم على علماء زمانه أن لا يقلدوا أحدا من الأئمة الماضين بل تكون أحكامهم بما ينتهي إليه اجتهادهم.

قال ابن خلّكان [٢] : أدركنا جماعة منهم على هذا المنهج، مثل أبي الخطّاب بن دحية، وأخيه أبي عمر، ومحيي الدّين بن عربي الطائي نزيل دمشق، وغيرهم، وتوفي يعقوب بمرّاكش وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق لتترحم عليه المارّة، وقيل: إنه تجرّد من الملك وذهب إلى المشرق فمات خاملا.

قال اليافعي [٣] : سمعت من لا أشك في صلاحه من المغاربة أن


[١] البيت للمتنبي وهو في «ديوانه» بشرح العكبري (٣/ ٣٥٢) وفيه «عنده» مكان «عندنا» .
قال العكبري: المشرفية: السيوف، تنسب إلى موضع تطبع فيه السيوف، وهي المشارف.
والخميس: الجيش العظيم. والعرمرم: الكثير.
[٢] انظر «وفيات الأعيان» (٣/ ١٠) .
[٣] انظر «مرآة الجنان» (٣/ ٤٨٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>