بيسان، وكان أحدهم بالإسكندرية وبها مات، وخلّف من الخواتم صناديق ومن الحصر والقدور والخزف بيوتا مملوءة، وكان متى رأى خاتما أو سمع به اجتهد في تحصيله واشتراه.
وأما الأخ الثاني فكان له هوس مفرط في تحصيل الكتب، وكان عنده مائتا ألف كتاب، ومن كل كتاب نسخ كثيرة حتّى من «الصحاح» ثمان عشرة نسخة.
وأما الثالث فالقاضي الفاضل، وكان يحب الكتابة، فقصد مصر ليشتغل بالأدب، فاشتغل به، وحفظ القرآن، وقال الشعر والمراسلات، وخدم الأكابر، فلما ملك أسد الدّين احتاج إلى كاتب فأحضر إليه فأعجبه نفاده وسمته ودينه ونصحه، فلما تملّك صلاح الدّين استخلصه لنفسه، وحسّن اعتقاده فيه ووجد البركة في رأيه، ولذلك لم يكن أحد في منزلته، وكان نزها عفيفا نظيفا، قليل اللّذات، كثير الحسنات، دائم التهجد، ملازم القرآن والاشتغال بعلوم الأدب، غير أنه كان خفيف البضاعة من النحو لا عريا منه، لكن قوة الدّربة توجب له عدم اللّحن، وكتب ما لم يكتبه أحد، ولما عظم شأنه أنف من قول الشعر، وكان لباسه لا يساوي دينارين، وثيابه البياض، ولا يركب معه أحد ولا يصحبه سوى غلام له، ويكثر زيارة القبور، ويشيّع الجنائز ويعود المرضى، وكان له صدقات ومعروف كثير في الباطن، وكان ضعيف البنية رقيق الصورة، له حدبة يسترها الطيلسان، وفيه سوء خلق، لا يضر أحدا، ولأصحاب الفضائل عنده موقع، يحسن إليهم ولا يمنّ عليهم، ويؤثر أرباب البيوت ومن كان خملا من ذوي النباهة، ويحب الغرباء، ولم يكن له انتقام من أعدائه بل يحسن إليهم، وكان دخله كل سنة من إقطاعه ورباعه وضياعه خمسون ألف دينار، هذا سوى التجارات من الهند والمغرب وغير ذلك، وسوى ضيعة من السلطان تسمّى ترنجه تعمل اثني عشر ألف دينار، وكان