يقتني الكتب من كل فنّ ويجتلبها من كل جهة، وله نسّاخ لا يفترون ومجلّدون لا يسأمون.
قال لي بعض من يخدمه في الكتب: إن عدد كتبه قد بلغ مائة ألف كتاب وأربعة عشر ألف كتاب، هذا قبل أن يموت بعشرين سنة.
وحكى لي ابن صورة الكتبي [١] قال: إن ابنه التمس مني نسخة «حماسة» ليقرأها، فقلت للفاضل، فاستدعى من الخادم أن يحضر شدات «الحماسة» فأحضر خمسا وثلاثين نسخة، يقول: هذه بخطّ فلان، وهذه بخط فلان، حتّى أتى على الجميع، ثم قال: ليس فيها ما تبتذله الصبيان، فاشترى له نسخة، ولم يزل معظّما بعد موت صلاح الدّين عند ولده العزيز، ثم الأفضل، ومات فجأة أحوج ما كان إلى الموت عند تولي الإقبال واستيلاء الإدبار، كان أمر بإصلاح الحمّام وقت السحر فأصلح، وجاءت ابنته تخبره بذلك فوجدته جالسا ساكتا فهابته لأنه كان مهابا، فطال سكوته حتّى ارتابت، فقدمت قليلا قليلا فلم تر عليه أثر حركة، فوضعت يدها عليه فخرّ صريعا وأخذ في النزع، وقبض وقت الظهر وقت رجوع عسكر مصر مهزوما، ودخل الملك الأفضل فصلّى عليه ودفن بالقرافة، وكان له يوم مشهود.
وفي حدبة القاضي الفاضل يقول ابن سناء الملك:
حاشا لعبد الرحيم سيّدنا ال ... فاضل ما تقوّله السفل
يكذب من قال إنّ حدبته ... في ظهره من عبيده حبل
هذا قياس في غير سيّدنا ... يصحّ لو كان يحبل الرّجل
وحدثني من أثق به أن الفاضل دخل مع أبيه مصر لطلب الإنشاء، وكان إذ ذاك المقدّم بها فيه ابن عبد الظاهر فقصده وطلب منه الاشتغال عليه
[١] انظر التعريف به في تعليقي على آخر أحداث سنة (٦٠٧) من المجلد السابع.