للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيامه إلى هذا العام. وكان من أدين الملوك وأجودهم وأكثرهم برّا ومعروفا على صغر مملكته.

قال ابن خلّكان: وأما سيرته، فكان له في فعل الخير [١] عجائب، ولم نسمع أن أحدا فعل في ذلك مثل ما فعله، لم يكن شيء في الدنيا أحبّ إليه من الصّدقة، وكان له في كل يوم قناطير مقنطرة من الخبز يفرّقها على المحاويج في عدة مواضع من البلد، وإذا نزل من الركوب يكون قد اجتمع جمع كثير عند الدّار فيدخلهم إليه، ويدفع لكل واحد كسوة على قدر الفصل من الصيف والشتاء وغير ذلك، ومع الكسوة شيء من الذهب، وكان قد بنى أربع خانقاهات [٢] للزّمنى والعميان، وملأها من هذين الصّنفين، وقرّرا لهم ما يحتاجون إليه كل يوم وليلة [٣] ، وكان يأتيهم بنفسه كل عصرية اثنين وخميس ويدخل إلى كل واحد في بيته ويسأله عن حاله، ويتفقده بشيء من النفقة، وينتقل إلى الآخر حتّى يدور عليهم جميعهم، وهو يباسطهم ويمزح معهم ويجبر قلوبهم. وبني دارا للنساء الأرامل، ودارا للضعفاء، ودارا للأيتام، ودارا للملاقيط، ورتّب بها جماعة من المراضع، وكل مولود يلتقط يحمل إليهنّ فيرضعنه. وأجرى على أهل كل دار ما يحتاجون إليه في كل يوم، وكان يدخل إليهم في كل يوم ويتفقد أحوالهم ويعطيهم النفقات زيادة على المقرّر لهم، وكان يدخل إلى البيمارستان ويقف على مريض مريض ويسأله عن مبيته وكيفية حاله وما يشتهيه، وكان له دار مضيف يدخل إليها كل قادم على البلد من فقيه وفقير وغيرهما، وإذا عزم الإنسان على السفر أعطاه نفقة تليق بمثله، ولم تكن له لذّة بسوى السماع، فإنه كان لا يتعاطى المنكر ولا يمكّن من إدخاله البلد، وكان إذا طرب في السماع خلع شيئا من ثيابه وأعطاه


[١] في «وفيات الأعيان» : «في فعل الخيرات» .
[٢] في «آ» و «ط» : «خانقات» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[٣] لفظة «وليلة» لم ترد في «ط» و «وفيات الأعيان» .

<<  <  ج: ص:  >  >>