وقال ابن خلّكان: الكوفي الأصل الدّمشقي المولد، الشاعر المشهور، خاتمة الشعراء، لم يأت بعده مثله، ولا كان في أواخر عصره من يقاس به، ولم يكن شعره مع جودته مقصورا على أسلوب واحد، بل تفنن فيه، وكان غزير المادة من الأدب، مطلعا على معظم أشعار العرب، ويكفي أنه كان يستحضر كتاب «الجمهرة» لابن دريد في اللغة. وكان مولعا بالهجاء وثلب أعراض الناس، وله قصيدة طويلة جمع فيها خلقا من رؤساء دمشق، سمّاها «مقراض الأعراض» .
أقول [١] منها:
سلطاننا أعرج وكاتبه ... ذو عمش والوزير منحدب
وصاحب الأمر خلقه شرس ... وناظر الجيش داؤه عجب
والدّولعيّ الخطيب منعكف ... وهو على قشر بيضة ثلب
ولابن باقا وعظ يغرّ به الن ... اس وعبد اللطيف محتسب
وحاكم المسلمين ليس له ... في غير غرمول جرجس أرب
عيوب قوم لو أنّها جمعت ... في فلك ما سارت به الشّهب
ثم قال ابن خلّكان: وكان قد نفاه السلطان صلاح الدّين من دمشق بسبب وقوعه في الناس، فلما خرج منها عمل:
فعلا م أبعدتم أخا ثقة ... لم يجترم ذنبا ولا سرقا؟
أنفوا المؤذّن من بلادكم ... إن كان ينفى كلّ من صدقا؟
وطاف البلاد، من الشام، والعراق، والجزيرة، وأذربيجان، وخراسان، وغزنة، وخوارزم، وما وراء النهر، ثم دخل الهند واليمن- وملكها يومئذ سيف
[١] القائل هنا المؤلف ابن العماد، ولم أجد الأبيات في «ديوانه» المطبوع بتحقيق الأستاذ خليل مردم بك في دار صادر ببيروت.