للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال [١] : ومن تأمل سيرة ابن عربي [٢] وأخلاقه الحسنة وانسلاخه من حظوظ نفسه وترك العصبية، حمله ذلك على محبته واعتقاده، ومما وقع له أن رجلا من دمشق فرض على نفسه أن يلعنه كل يوم عشر مرات، فمات، وحضر ابن عربي جنازته ثم رجع فجلس ببيته وتوجه للقبلة، فلما جاء وقت الغداء أحضر إليه فلم يأكل، ولم يزل على حاله إلى بعد العشاء، فالتفت مسرورا وطلب العشاء وأكل، فقيل له في ذلك، فقال: التزمت مع الله أني لا آكل ولا أشرب حتّى يغفر لهذا الذي يلعنني، وذكرت له سبعين ألف لا إله إلا الله، فغفر له.

وقد أوذي الشيخ كثيرا في حياته وبعد مماته بما لم يقع نظيره لغيره، وقد أخبر هو عن نفسه بذلك، وذلك من غرر كراماته، فقد قال في «الفتوحات» كنت نائما في مقام إبراهيم، وإذا بقائل من الأرواح- أرواح الملأ الأعلى- يقول لي عن الله: ادخل مقام إبراهيم، إنّه كان أوّاها حليما [٣] ، فعلمت أنه لا بد أن يبتليني بكلام في عرضي من قوم، فأعاملهم بالحلم. قال: ويكون أذى كثيرا، فإنه جاء بحليم بصيغة المبالغة، ثم وصفه بالأوّاه، وهو من يكثر منه التأوّه لما يشاهد من جلال الله. انتهى.

وقال الصّفي بن أبي منصور: جمع ابن عربي بين العلوم الكسبية والعلوم الوهبية، وكان غلب عليه التوحيد علما وخلقا وخلقا، لا يكترث بالوجود مقبلا كان أو معرضا.

وقال تلميذه الصّدر القونوي الرّومي [٤] : كان شيخنا ابن عربي متمكنا من


[١] القائل المناوي.
[٢] تحرفت في «ط» إلى «ابن عرابي» .
[٣] وذلك محاكاة لقوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ٩: ١١٤ [التّوبة: ١١٤] .
[٤] هو محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرّومي، صدر الدّين، صوفي من كبار تلامذة الشيخ محيي الدّين بن العربي، تزوّج ابن عربي أمّه، وربّاه، له مصنّفات في

<<  <  ج: ص:  >  >>