للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمادى الأولى، سنة ثلاث وأربعين. فكان ابن مطروح في صورة وزير لها، ومضى إليها، فحسنت حاله، وارتفعت منزلته، ثم إن الصّالح توجّه إليها، فوصلها في شعبان، سنة ست وأربعين، وجهّز عسكرا إلى حمص لاستنقاذها من نواب الملك الناصر، فعزل ابن مطروح عن ولايته بدمشق، وسيّره مع العسكر، ثم بلغه أن الفرنج قد اجتمعوا في جزيرة قبرس [١] على عزم قصد الدّيار المصرية، فسيّر إلى العسكر المحاصرين حمص، وأمرهم أن يعودوا لحفظ الدّيار المصرية، فعاد العسكر وابن مطروح في الخدمة، والملك الصالح متغير عليه لأمور يفهمها منه [٢] .

ولما مات الملك الصالح، وصل ابن مطروح إلى مصر، وأقام في داره إلى أن مات.

قال ابن خلّكان: كان ذا أخلاق رضية، وكان بيني وبينه مكاتبات ومودة أكيدة، وله ديوان شعر أنشدني أكثره، فمن ذلك قوله في أول قصيدة طويلة:

هي رامة فخذوا يمين الوادي ... وذروا السّيوف تقرّ في الأغماد

وحذار من لحظات أعين عينها ... فلكم صرعن بها من الآساد

من كان منكم واثقا بفؤاده ... فهناك ما أنا واثق بفؤادي

يا صاحبيّ ولي بجرعاء الحمى ... قلب أسير ما له من فادي

سلبته مني يوم بانوا مقلة ... مكحولة أجفانها بسواد

وبحيّ من أنا في هواه ميّت ... عين على العشّاق بالمرصاد

وأغنّ مسكيّ اللّمى معسوله ... لولا الرقيب بلغت منه مرادي

كيف السّبيل إلى وصال محجّب ... ما بين بيض ظبا وسمر صعاد


[١] كذا كانت تعرف في السابق ب «قبرس» بالسين المهملة آخر الحروف، وتعرف في أيامنا ب «قبرص» بالصاد آخر الحروف.
[٢] في «وفيات الأعيان» مصدر المؤلّف: «لأمور نقمها عليه» .

<<  <  ج: ص:  >  >>