اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ وبينهم عموم وخصوص: المزّي، والبرزالي، والذّهبي، والشيخ الوالد، لا خامس لهم في عصرهم، فأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة أمام الوجود حفظا، وذهب العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها، ثم أخذ يخبر عنها أخبار من حضرها، وكان محطّ رحال تغبّيت ومنتهى رغبات من تغبّيت. تعمل المطيّ إلى جواره، وتضرب البزل المهاري أكبادها فلا تبرح أو تبيد نحو داره، وهو الذي خرّجنا في هذه الصناعة، وأدخلنا في عداد الجماعة، جزاه الله عنّا أفضل الجزاء، وجعل حظّه من عرصات الجنان موفر الأجزاء، وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم، يذعن له الكبير والصغير من الكتب، والعالي والنازل من الأجزاء.
كان مولده في سنة ثلاث وسبعين وستمائة.
وأجاز له أبو زكريا بن الصّيرفي، والقطب بن عصرون، والقاسم الإربلي وغيرهم.
وطلب الحديث، وله ثمان عشرة سنة، فسمع بدمشق من عمر بن القواس، وأحمد بن هبة الله بن عساكر، ويوسف بن أحمد الغسولي، وغيرهم.
وببعلبك من عبد الخالق بن علوان، وزينب بنت عمر بن كندي، وغيرهما.
وبمصر من الأبرقوهي، وعيسى بن عبد المنعم بن شهاب، وشيخ الإسلام بن دقيق العيد، والحافظين أبي محمد الدمياطي، وأبي العبّاس بن الظّاهري، وغيرهم.
ولما دخل على شيخ الإسلام ابن دقيق العيد وكان المذكور شديد التّحري في الأسماع، قال له: من أين جئت؟ قال: من الشام. قال: بم تعرف؟ قال:
بالذهبي. قال: من أبو طاهر الذهبي؟ قال له: المخلّص. فقال: أحسنت، وقال:
(٢/ ١٦٣) ، و «فوات الوفيات» (٣/ ٣١٥) و «طبقات الشافعية الكبرى» . (٩/ ١٠٠- ١٢٣) . و «طبقات الإسنوي» (١/ ٥٥٨- ٥٥٩) و «الدرر الكامنة» (٣/ ٣٣٦- ٣٣٨) و «الدارس» و (١/ ٧٨) و «القلائد الجوهرية» ص (٣٢٨- ٣٢٩) و «الدليل الشافي» (٢/ ٥٩١) .