من أبو محمد الهلالي: قال سفيان بن عيينة. قال: أحسنت، اقرأ، ومكّنه من القراءة حينئذ إذ رآه عارفا بالأسماء.
وسمع بالإسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد العراقي، وأبي الحسين يحيى بن أحمد بن الصوّاف، وغيرهما.
وبمكة من التّوزري وغيره.
وبحلب من سنقر الزّيني وغيره.
وبنابلس من العماد بن بدران.
وفي شيوخه كثرة فلا نطيل بتعدادهم.
وسمع منه الجمّ الكثير، وما زال يخدم هذا الفنّ حتّى رسخت فيه قدمه وتعب الليل والنهار، وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير لقبه الشمس إلّا أنه لا يتقلّص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليال.
وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد، وتناديه السّؤالات من كل ناد، وهو بين أكنافها كنف لأهليها وشرف تفتخر وتزهو به الدّنيا وما فيها، طورا تراها ضاحكة عن تبسّم أزهارها، وقهقهة غدرانها، وتارة تلبس ثوب الوقار والافتخار بما اشتملت عليه من إمامها المعدود من سكانها.
توفي رحمه الله تعالى ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة بالمدرسة المنسوبة لأم الصّالح في قاعة سكنه، ورآه الوالد قبل المغرب، وهو في السياق، ثم سأله أدخل وقت المغرب، فقال له الوالد: ألم تصلّ العصر؟ فقال: نعم ولكن لم أصلّ المغرب إلى الآن. وسأل الوالد رحمه الله عن الجمع بين المغرب والعشاء تقديما فأفتاه بذلك ففعله، ومات بعد العشاء قبل نصف الليل، ودفن بباب الصغير.
حضرت الصلاة عليه ودفنه، وكان قد أضرّ قبل موته بمدة يسيرة.
أنشدنا شيخنا الذّهبي من لفظه لنفسه:
تولّى شبابي كأن لم يكن ... وأقبل شيب علينا تولّى
ومن عاين المنحنى والنّقى ... فما بعد هذين إلا المصلّى