الفضل في النحو، كما تفقّه في حداثة سنّه على الفقيه العالم أبي الحسن السّلمي.
ثم رحل، وطوّف، وجاب البلاد، ولقي المشايخ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم السّمعاني في الرحلة.
سمع في بغداد سنة عشرين وخمسمئة من أصحاب البرمكي، والتنوخي، والجوهري. ثم رجع إلى دمشق.
ثم رحل إلى خراسان، ودخل نيسابور، وهراة، وأصبهان، والجبال.
وأخذ عن شيوخ مكّة، والمدينة، ومنى، والكوفة، وسرخس، والجزيرة، وغير ذلك من البلاد.
وذكر بعض المؤرخين بأن عدّة الشيوخ الذين سمع منهم ألف وثلاثمائة شيخ، وثمانون امرأة.
ولم يخرج ابن عساكر عن إطار الحديث، والفقه، والتاريخ، والأخبار، والأدب، وهي الموضوعات التي خاض عبابها، وما كان اعتماده على النقل فقط، بل كان يستعمل العقل أيضا، يدلّ على ذلك مذهبه في المصنفات التي خلّفها، فهو معنيّ بحل المشاكل، يناقش ويجادل بعيدا عن التعصب لمذهبه الشافعي، وكان إلى الاجتهاد أقرب منه إلى التقليد والجمود والوقوف عند أقوال من كان قبله، ولا غرو فالتاريخ يوسّع العقل، ويورث صاحبه نورا لا يستضيء بمثله عقل من لم يرزق حظا من النظر فيه.
توفي في الحادي عشر من شهر رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمئة، وله من العمر ثنتان وسبعون سنة، وحضر السلطان صلاح الدين جنازته، وصلى عليه الشيخ قطب الدين النيسابوري، ودفن في مقابر الباب الصغير.
قال السّمعاني: كان كثير العلم غزير الفضل، حافظا، متقنا، ديّنا، خيّرا، حسن السمت، جمع بين المتون والأسانيد، متثبتا، محتاطا.
وقال ابن خلكان: كان محدّث الشام في وقته، ومن أعيان فقهاء