الشافعية، غلب عليه الحديث فاشتهر به، وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره.
وقال ابن كثير: أحد أكابر حفّاظ الحديث، وممّن عني به سماعا، وجمعا، وتصنيفا، واطّلاعا، وحفظا لأسانيده ومتونه، وإتقانا لأساليبه وفنونه، صنّف «تاريخ الشام» في ثمانين مجلدة، فهي باقية بعده مخلّدة، وقد ندر من تقدمه من المؤرخين، وأتعب من يأتي بعده من المتأخرين، فحاز فيه قصب السبق، ومن نظر فيه وتأمله رأى ما وصفه فيه وأصله، وحكم بأنه فريد دهره في التواريخ، وأنه الذروة العليا من الشماريخ.
وقال ابن النجار: هو إمام المحدّثين في وقته، انتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان، والثقة، والمعرفة التامة، وبه ختم هذا الشأن.
قلت: وقد قامت شهرة ابن عساكر على كتابه العظيم «تاريخ مدينة دمشق» الذي قال فيه العلّامة الأستاذ محمد كرد علي الرئيس الأول لمجمع اللغة العربية بدمشق: يقع في ثمانين مجلدة، لم يترك شيئا عن دمشق إلا وذكره فيه، ولا نعرف مدينة من مدن الدنيا حظيت بمثله، ففي المجلدتين الأولى والثانية تكلّم عن تخطيط دمشق وسورها وأبوابها وخططها، وأنهارها، وتخطيطها، وقد ترجم ابن عساكر في بقية المجلدات لكل من يصحّ أن يترجم له من أهل دمشق، وخلفائها، وأمرائها، وحكامها، وقضاتها، وعلمائها، وأدبائها، منذ الفتح الإسلامي وإلى زمانه.
قلت: يقوم مجمع اللغة العربية العامر بدمشق منذ أكثر من ثلاثين عاما بطبع هذا الكتاب العظيم، وقد صدرت منه عشر مجلدات بتحقيق عدد كبير من العلماء والباحثين منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
وقد اختصر الإمام ابن منظور هذا الكتاب العظيم، و «مختصره» يطبع الآن بتحقيق عدد من الأساتذة الأفاضل، وقد صدرت منه حتى الآن ثمانية أجزاء، ويتوالى صدور الأجزاء الأخرى تباعا خلال هذا العام والذي يليه، وهو من منشورات دار الفكر بدمشق.