للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: غنّني بشعر الفند الزّمّاني، فغنّاه، فأجاد، وأحسن، وأطرب، فقال:

أعده، فأعاده، فأجاد، وأطرب يزيد، فقال له: عمّن أخذت هذا الغناء؟ قال:

أخذته عن أبي، وأخذه أبي عن أبيه، قال: لو لم ترث إلّا هذا الصّوت لكان أبو لهب- رضي الله عنه! - ورّثكم خيرا كثيرا [١] ، فقال: يا أمير المؤمنين، إن أبا لهب مات كافرا مؤذيا لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قال: قد أعلم ما تقول، ولكني داخلني عليه رقة إذ كان يجيد الغناء، ووصله، وكساه، ورده إلى بلده مكرّما.

وبالجملة فأخباره من هذا القبيل كثيرة [٢] فلنحبس عنان القلم عن ذلك سامحه الله تعالى.

وفيها، أو في التي قبلها أو بعدها، مات عكرمة مولى ابن عبّاس، أحد فقهاء مكّة، من التابعين الأعلام، أصله من البربر. وهب لابن عبّاس، فاجتهد في تعليمه، ورحل إلى مصر وخراسان، واليمن، وأصبهان، والمغرب، وغيرها، وكانت الأمراء تكرمه، وأذن له مولاه بالفتوى.

وقيل لسعيد بن جبير: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ فقال [٣] : عكرمة.

ولما مات مولاه باعه ابنه عليّ من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فقال له عكرمة: بعت علم أبيك بأربعة آلاف [دينار!] [٤] ، فاستقاله فأقاله ثم أعتقه.

قيل: مات هو وكثيّر عزّة في يوم واحد وصلّي عليهما جميعا، فقيل:

مات أفقه النّاس وأشعر النّاس.

قال ابن قتيبة [٥] : كان عكرمة يكنى أبا عبد الله.


[١] أقول: بل ورّثهم شرا كثيرا. (ع) .
[٢] في الأصل «كثير» ، وأثبت ما في المطبوع.
[٣] في الأصل: «قال» وأثبت ما في المطبوع.
[٤] زيادة من «وفيات الأعيان» الذي ينقل المؤلف عنه.
[٥] في «المعارف» ص (٤٥٥- ٤٥٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>